|
قسم الدراسات والابحاث الاحكام الصادرة عن المحاكم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
الأنشطة التربوية
يعتني هذا المقال بالجانب المتعلق بالقيمة الرمزية و التربوية للأنشطة التربوية و التي إذا توفرت لها الشروط المناسبة تسهم في قلب المنظومة التعليمية رأسا على عقب بعيدا عن أي مسعى يخرجها عن سياقاتها المرتبطة بالفعل التربوي ، لهذا يبدو من الأسلم تحديد الطبيعة التربوية لهذا المجال ، و رسم مقومات العمل الكفيلة بنقل الأنشطة من طابعها العام الموجه للاستهلاك و تسويق الخطاب إلى تفعيل الآليات الخاصة بها .
خصص الميثاق الوطني للتربية و التكوين حيزا زمنيا مهما للأنشطة التربوية و صل إلى 25 بالمائة من مجموع الحصص ، وبغض النظر عن الظروف المواكبة لتفعيل مقتضيات الميثاق في هذا الجانب على وجه التحديد ، فإننا نحسب أن إشكال منظومة التربية و التكوين هو إشكال الفعل الذي يستمد أسسه من فلسفة نظرية متكاملة تؤمن بالتقويم و المحاسبة ليس بجلد الذات و إنما بتقويم و تقييم اللحظة و رص ما اعوج منها بغرض تكوين حصيلة مفيدة تسهم في إثراء مبدأ التراكم المفضي إلى النوع و المردودية بالمعنى التنموي و ليس التصور النفعي الصرف حسب ما تروج له اللغة الليبرالية و أنصار المدرسة المقاولة و الورش ـ تسليع المدرسة ـ فنعم لثقافة السوق و ليس قيم السوق . تنطلق الأنشطة التربوية من مبدأ يراعي التباينات و الاختلافات النفسية و التربوية و المجالية بين التلاميذ سعيا لتثمينها و صقلها و توفير الجو المناسب لها لتنطلق في عالم الإبداع ، و هي إلى جانب ذلك مجال و فضاء مفتوح لإبراز المواهب الشخصية ، و حيز زمني لتفريغ الضغوط المرتبطة باليومي و فضاء القسم بشكل يوحي بثورة خضراء تطلق فيها الزهور أريجها و تتفتح معلنة حريتها الإبداعية ، فهي بهذا المعنى تحرير للطاقات الكامنة في الشعور و اللاشعور الفردي يؤدي استثمارها إلى جسر الهوة بين القدرة على الحلم البناء و الارتماء في أحضان المغالاة و التطرف و الصيغ الحدية ، ففي بنية هذا النسق من التفكير يتم بناء الفكر المفتوح و المعتدل القائم على الاعتدال و تحرير أنماط التفكير القبلية و العرقية و الدينية من إسارها الذي يكبل و يعقل العقل و يقلل من قيمته سعيا نحو تكريس ثقافة الغاب المغلفة بمنطق معين في التأويل و من ثم التنزيل و فرض الرأي الواحد ، تأسيسا على هذا الفهم تغدو الأنشطة حقولا تتسع لشتى أنواع المشاتل التي تبدر قيما و ترسخ أخلاقا همها الأساس تقويض الفكر الإرهابي و تحجيم لغة العنف مهما كانت طبيعتها ، و تؤسس لثقافة التواصل بين الجنسين تنصهر معها يوميا كل أنواع التمييز و يغدو الفرد قادرا على نحت ذاته بعيدا عن النزوع المنمط للسلوك البشري و الموغل في تحقير الذات و جلدها و سلبها قدرتها الخلاقة ، و هذا بطبيعة الحال عبر كل الأنشطة مسرحا كانت أو سينما ، رسما أو نحتا ، موسيقى أو عروض ترفيهية أو فكرية و رياضية تطلق فيها العنان للقرائح التي تصدح بالمعنى و الهوية الإنسانية ، و الحوار البناء بعيدا عن فلسفة الينبغيات و تأجيل السعادة و الإبداع ، و هذا في تقديرنا يقتضي من الوزارة الوصية الاشتغال على التكوين المهني في هذه التخصصات حتى يتسنى القدرة على التأطير و التوجيه و المواكبة و صنع المواهب المستقبلية خاصة و أن التطرف بمختلف ملامحه تغذى بالأساس على غياب فلسفة التربية و التكوين القائمة على صناعة الفرد و الاستثمار فيه . هذا القول و التصور يستمد شرعيته من تعدد و تنوع الوسائط التي أضحى دورها فعالا في التأثير على مختلف مكونات المجتمع ، و منها على وجه التحديد المتعلمين و المتعلمات بصيغ تحضر فيها فلسفات العنف بمختلف أشكاله و الارتماء المجاني في أحضان قيم تدعي الحرية و الاختلاف بعيدا عن التأسيس الثقافي لهذا المنطق و القول ، تارة بدعوى الذوق الذي يفرضه العصر ، و أخرى بدعوى الانفتاح و الحداثة و القيم الاستهلاكية ، هذه الأقوال طالت حتى الخريجين الجدد من الأساتذة من خلال المغالاة في التخصص و البعد التقني الذي أصبح لا يطاق ذوقا وفعلا و أخلاقا من خلال التمحور حول الأنا و إصدار الأحكام وفق مقاسها و مركزيتها و ادعاء الأفضلية و التفوق سواء كان هذا المنحى لغويا أو رياضيا أو فيزيائيا أو أي شيء آخر ، لسبب وجيه هو إمعانه في الانطلاق من نظرية "الأنا العارفة "و خطابه المفعم بالتبشير و الرفاهية و صنع الأحلام المنومة و بلغة فيها الكثير من العنف و النزر اليسر من العلم و المعرفة التي أضحت مرادفا " للرجعية " ، هذا ما يستوجب في نظرنا المتواضع مواجهة المد الرقمي في بعده العنيف و الأداتي الوظيفي و لغته السريعة و المجانية التي تقتل الرمز و الصورة و تنتج الهلامية ، و لن يتأتى هذا المبتغى إلا بمشروع طموح و هادف و هادئ في الآن ذاته دون استعجال النتائج أو استباقها ، و ذلك بتزويد المؤسسات التعليمية بالوسائل الداعمة للأنشطة الموازية و تأهيل المحترفات المسرحية و الموسيقية و الفنية و الرياضية، وقاعات العروض و اللقاءات ، و توسيع الحصص الزمنية الخاصة بهذه الأنشطة ، مع تأهيل العنصر البشري و دعمه و متابعة تكوينه بشكل فعلي و مستمر بعيدا عن اللغة الرسمية المحتفلة دوما بالمنجزات مهما كانت هزيلة و صانعة للجودة ، لأن الأمر يبشر بتهديد حقيق لكيان الأمة من طرف قيم تتبنى العنف و تبجله تحت العديد من المسميات ، و تصدر وهما ليبراليا مفاده انتهاء عصر و حضارة الورق لصالح الرقمنة في تسفيه معلن و خفي لإمكانية التطور خارج الأنماط الجاهزة و القوالب المصنوعة ، و لا يخامرنا شك بأن المحاولة قد تنجح إذا رصدت لها الوسائل الداعمة ، وواكبتها ثقافة التقييم و التقويم وتتبع العوائق و رصد ما يقلل من حجم تأثيرها ، لأن التهديد يهم المجتمع برمته و لا يقتصر على جيل أو جيلين . نخلص إلى أن الأنشطة الموازية فلسفة نوعية في محاربة التنميط ، و أداة نوعية لاجتراح الوسائل القمينة بمحاربة العنف المادي و الجسدي و التقني الذي يجتاح الوسط التعليمي و يرديه مرادفا لأنواع العبث و تبجيل الغش و القيم الهامشية للحداثة التي تنفصل عن الحرية والحق في الاختلاف انفصال الحق عن الباطل .
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~