ماشاء الله تبارك الله ماشاء الله لاقوة الا بالله , اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ". صدق الله العظيم
الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط
   
Press Here To Hidden Advertise.:: إعلانات منتديات المهندسين العرب لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم الشكاوي ::.

 IPTV Reseller

  لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى لطلب الاعلان عمل موضوع بقسم طلبات الاعلانات اسفل المنتدى

Powerd By : Mohandsen.com

العودة   المهندسين العرب > اسلاميات ( حبا في رسول الله ) > المنتدي الاسلامي > المكتبه الاسلاميه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17/11/2007, 09:59 PM
الصورة الرمزية بحيرى مسعد
 
بحيرى مسعد
صديق المهندسين

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  بحيرى مسعد غير متصل  
الملف الشخصي
رقم العضوية : 79013
تاريخ التسجيل : Oct 2007
العمـر :
الـجنـس :
الدولـة :
المشاركـات : 1,580 [+]
آخــر تواجـد : ()
عدد الـنقـاط : 10
قوة التـرشيـح : بحيرى مسعد يستاهل التميز
new مجموع فتاوى ابن تيمية 9



فلما ذكرت في المجلس أن جميع أسماء الله التي سمي بها المخلوق كلفظ الوجود الذي هو مقول بالحقيقة على الواجب والممكن على الأقوال الثلاثة : تنازع كبيران هل هو مقول بالاشتراك أو بالتواطؤ ؟ فقال أحدهما : هو متواطئ وقال الآخر هو مشترك ; لئلا يلزم التركيب . وقال هذا : قد ذكر فخر الدين أن هذا النزاع مبني على أن وجوده هل هو عين ماهيته أم لا ؟ .

فمن قال إن وجود كل شيء عين ماهيته قال : إنه مقول بالاشتراك ومن قال إن وجوده قدر زائد على ماهيته قال : إنه مقول بالتواطؤ .

فأخذ الأول يرجح قول من يقول : إن الوجود زائد على الماهية ; لينصر أنه مقول بالتواطؤ .

فقال الثاني : ليس مذهب الأشعري وأهل السنة أن وجوده عين ماهيته فأنكر الأول ذلك .

فقلت : أما متكلمو أهل السنة فعندهم أن وجود كل شيء عين ماهيته ; [ ص: 191 ] وأما القول الآخر فهو قول المعتزلة إن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته وكل منهما أصاب من وجه فإن الصواب أن هذه الأسماء مقولة بالتواطؤ كما قد قررته في غير هذا الموضع وأجبت عن شبهة التركيب بالجوابين المعروفين .

وأما بناء ذلك على كون وجود الشيء عين ماهيته أو ليس عينه : فهو من الغلط المضاف إلى ابن الخطيب فإنا وإن قلنا إن وجود الشيء عين ماهيته : لا يجب أن يكون الاسم مقولا عليه وعلى نظيره بالاشتراك اللفظي فقط كما في جميع أسماء الأجناس .

فإن اسم السواد مقول على هذا السواد وهذا السواد بالتواطؤ وليس عين هذا السواد هو عين هذا السواد إذ الاسم دال على القدر المشترك بينهما وهو المطلق الكلي ; لكنه لا يوجد مطلقا بشرط الإطلاق إلا في الذهن ولا يلزم من ذلك نفي القدر المشترك بين الأعيان الموجودة في الخارج فإنه على ذلك تنتفي الأسماء المتواطئة وهي جمهور الأسماء الموجودة في الغالب ( وهي أسماء الأجناس اللغوية وهو الاسم المطلق على الشيء وعلى كل ما أشبهه سواء كان اسم عين أو اسم صفة جامدا أو مشتقا وسواء كان جنسا منطقيا أو فقهيا أو لم يكن . بل اسم الجنس في اللغة يدخل فيه الأجناس والأصناف والأنواع ونحو ذلك . وكلها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها في الخارج متميزة .

وطلب بعضهم إعادة قراءة الأحاديث المذكورة في العقيدة ; ليطعن في [ ص: 192 ] بعضها فعرفت مقصوده .

فقلت : كأنك قد استعددت للطعن في حديث الأوعال : حديث العباس بن عبد المطلب - وكانوا قد تعنتوا حتى ظفروا بما تكلم به زكي الدين عبد العظيم من قول البخاري في تأريخه : عبد الله بن عميرة لا يعرف له سماع من الأحنف - فقلت : هذا الحديث مع أنه رواه أهل السنن كأبي داود وابن ماجه والترمذي وغيرهم : فهو مروي من طريقين مشهورين فالقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر .

فقال : أليس مداره على ابن عميرة وقد قال البخاري : لا يعرف له سماع من الأحنف ؟ .

فقلت : قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلت والإثبات مقدم على النفي , والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف لم ينف معرفة الناس بهذا فإذا عرف غيره - كإمام الأئمة ابن خزيمة - ما ثبت به الإسناد : كانت معرفته وإثباته مقدما على نفي غيره وعدم معرفته .

ووافق الجماعة على ذلك وأخذ بعض الجماعة يذكر من المدح ما لا يليق أن أحكيه وأخذوا يناظرون في أشياء لم تكن في العقيدة ولكن لها تعلق بما أجبت به في مسائل ولها تعلق بما قد يفهمونه من [ ص: 193 ] العقيدة . فأحضر بعض أكابرهم " كتاب الأسماء والصفات " للبيهقي - رحمه الله تعالى - فقال : هذا فيه تأويل الوجه عن السلف فقلت : لعلك تعني قوله تعالى { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } فقال : نعم . قد قال مجاهد والشافعي يعني قبلة الله .

فقلت : نعم : هذا صحيح عن مجاهد والشافعي وغيرهما وهذا حق وليست هذه الآية من آيات الصفات . ومن عدها في الصفات فقد غلط كما فعل طائفة ; فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } والمشرق والمغرب الجهات .

والوجه هو الجهة ; يقال أي وجه تريده ؟ أي أي جهة وأنا أريد هذا الوجه أي هذه الجهة كما قال تعالى : { ولكل وجهة هو موليها } ولهذا قال : { فأينما تولوا فثم وجه الله } أي تستقبلوا وتتوجهوا والله أعلم . وصلى الله على محمد .


[ ص: 382 ] قال شيخ الإسلام - رحمه الله - ( فصل ) حدثني بعض ثقات أصحابنا : أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن عبد الوهاب عاد شيخنا أبا زكريا بن الصرمي وعنده جماعة فسألوه الدعاء .

فقال في دعائه : اللهم بقدرتك التي قدرت بها أن تقول بها للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها . قالتا أتينا طائعين . افعل كذا وكذا . قال أبو عبد الوهاب : ولم أخاطبه فيه بحضرة الناس حتى خلوت به وقلت له : هذا لا يقال لو قلت : قدرت بها على خلقك جاز فأما قدرت بها أن تقول فلا يجوز لأن هذا يقتضي أن يكون قوله مقدورا له مخلوقا وذكر لي الحاكي - وهو من فضلاء أصحاب الشافعي - أنه بلغ الإمام أبا زكريا النواوي فلم يتفطن لوجه الإنكار في هذا الدعاء حتى تبين له فعرف ذلك .

قلت : هذه المسألة مثل مسألة المشيئة وهو قولنا يتكلم إذا شاء فإن [ ص: 383 ] ما تعلقت به المشيئة تعلقت به القدرة فإن ما شاء الله كان ولا يكون شيء إلا بقدرته وما تعلقت به القدرة من الموجودات تعلقت به المشيئة فإنه لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وما جاز أن تتعلق به القدرة جاز أن تتعلق به المشيئة وكذلك بالعكس وما لا فلا ولهذا قال : { إن الله على كل شيء قدير } والشيء في الأصل مصدر شاء يشاء شيئا كنال ينال نيلا ثم وضعوا المصدر موضع المفعول فسموا المشيء شيئا كما يسمى المنيل نيلا فقالوا : نيل المعدن وكما يسمى المقدور قدرة والمخلوق خلقا فقوله : { على كل شيء قدير } أي على كل ما يشاء ; فمنه ما قد شيء فوجد ومنه ما لم يشأ لكنه شيء في العلم بمعنى أنه قابل لأن يشاء وقوله : { على كل شيء } يتناول ما كان شيئا في الخارج والعلم أو ما كان شيئا في العلم فقط بخلاف ما لا يجوز أن تتناوله المشيئة وهو الحق تعالى وصفاته أو الممتنع لنفسه فإنه غير داخل في العموم ولهذا اتفق الناس على أن الممتنع لنفسه ليس بشيء وتنازعوا في المعدوم الممكن : فذهب فريق من أهل الكلام من المعتزلة والرافضة وبعض من وافقهم من ضلال الصوفية : إلى أنه شيء في الخارج لتعلق الإرادة والقدرة به وهذا غلط .

وإنما هو معلوم لله ومراد له إن كان مما يوجد وليس له في نفسه لا موت ولا وجود ولا حقيقة أصلا بل وجوده وثبوته وحصوله شيء واحد وماهيته وحقيقته في الخارج هي نفس وجوده وحصوله وثبوته ليس في [ ص: 384 ] الخارج شيئان وإن كان العقل يميز الماهية المطلقة عن الوجود المطلق إذا عرف ذلك فهذه المسألة مبنية على " مسألة كلام الله ونحو ذلك من صفاته " هل هي قديمة لازمة لذاته لا يتعلق شيء منها بفعله وبمشيئته ولا قدرته ؟ أو يقال : إنه يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء وأنها مع ذلك صفات فعلية وهذا فيه قولان لأصحابنا وغيرهم من أهل السنة .

" قلت " : وهذا الدعاء الذي دعا به الشيخ أبو زكريا مأثور عن الإمام أحمد ومن هناك حفظه الشيخ والله أعلم فإنه كان كثير المحبة لأحمد وآثاره والنظر في مناقبه وأخباره وقد ذكروه في مناقبه ورواه الحافظ البيهقي في مناقب أحمد وهي رواية الشيخ أبي زكريا عن الحافظ عبد القادر الرهاوي إجازة وقد سمعوها عليه عنه إجازة قال البيهقي : وفيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة حدثني أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس حدثني أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي . حدثنا أبو جعفر محمد بن يعقوب الصفار .

قال : كنا عند أحمد بن حنبل فقلنا : ادع الله لنا فقال : " اللهم إنك تعلم أنا نعلم أنك لنا على أكثر ما نحب فاجعلنا نحن لك على ما تحب " . قال ثم جلست ساعة فقيل له : يا أبا عبد الله زدنا فقال : اللهم إنا نسألك بالقدرة التي قلت للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين , اللهم وفقنا لمرضاتك ; اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ; ونعوذ بك من الذل إلا لك اللهم لا تكثر فنطغى ولا تقل علينا فننسى [ ص: 385 ] وهب لنا من رحمتك وسعة من رزقك تكون بلاغا في دنياك وغنى من فضلك قلت : هذا على المعنى المتقدم موافق لقوله : يتكلم إذا شاء فجعله معلقا بالقدرة والمشيئة وإن جعل القول هنا عبارة عن سرعة التكوين بلا قول حقيقي فهذا خلاف ما احتج به أحمد في كتاب الرد على الجهمية في هذه فإنه احتج بهذه الآية على أن الكلام لا يقف على لسان وأدوات .


[ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :

قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية - قدس الله روحه -

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .

قاعدة أولية :

أن أصل العلم الإلهي ومبدأه ودليله الأول عند الذين آمنوا : هو الإيمان بالله ورسوله وعند الرسول صلى الله عليه وسلم هو وحي الله إليه كما قال [ ص: 2 ] خاتم الأنبياء : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ; فإذا فعلوا ذلك : عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها } .

وقال الله تعالى له : { قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي } وقال : { ووجدك ضالا فهدى } وقال : { نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } . [ ص: 3 ] فأخبر أنه كان قبله من الغافلين . وقال : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } . وفي صحيح البخاري في خطبة عمر لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم - كلام معناه - أن الله هدى نبيكم بهذا القرآن فاستمسكوا به فإنكم .

وتقرير الحجة في القرآن بالرسل كثير . كقوله : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وقوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } . وقوله : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك } إلى قوله : { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا } الآية . وقوله : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } ؟ وقوله : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم } ؟ الآية . وقوله : { يا معشر الجن والإنس } الآية .

ولهذا كان طائفة من أئمة المصنفين للسنن على الأبواب إذا جمعوا فيها أصناف العلم : ابتدأها بأصل العلم والإيمان . كما ابتدأ ( البخاري صحيحه ببدء الوحي ونزوله ; فأخبر عن صفة نزول العلم والإيمان على الرسول أولا ثم أتبعه بكتاب الإيمان الذي هو الإقرار بما جاء به ثم بكتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء به فرتبه الترتيب الحقيقي . وكذلك الإمام أبو محمد الدارمي صاحب ( المسند : ابتدأ كتابه بدلائل النبوة وذكر في ذلك طرفا صالحا . وهذان الرجلان : أفضل بكثير من مسلم ; والترمذي ونحوهما ; ولهذا كان أحمد بن حنبل : يعظم هذين ونحوهما ; لأنهم فقهاء في الحديث أصولا وفروعا .

ولما كان أصل العلم والهدى : هو الإيمان بالرسالة المتضمنة للكتاب والحكمة : كان ذكره طريق الهداية بالرسالة - التي هي القرآن وما جاءت به الرسل - كثيرا جدا . كقوله : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } وقوله : { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } . وقوله : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } وقوله : { وأنزل التوراة والإنجيل } { من قبل هدى للناس } وقوله : { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم } وقوله : { فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } { ونحشره يوم القيامة أعمى } وقوله : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } { صراط الله } وقال تعالى : { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } ؟ .

فيعلم أن آيات الله والرسول تمنع [ الكفر ] وهذا كثير .

وكذلك ذكره حصول الهداية والفلاح للمؤمنين دون غيرهم ملء القرآن كقوله : { هدى للمتقين } { الذين يؤمنون بالغيب } الآية . ثم ذم الذين كفروا والذين نافقوا وقوله : { والعصر } { إن الإنسان لفي خسر } { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقوله : { ثم رددناه أسفل سافلين } { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } .

فحكم على النوع كله والأمة الإنسانية جميعها بالخسارة والسفول إلى الغاية إلا المؤمنين الصالحين .

وكذلك جعل أهل الجنة هم أهل الإيمان وأهل النار هم أهل الكفر فيما شاء الله من الآيات حتى صار ذلك معلوما علما شائعا متواترا اضطراريا من دين الرسول عند كل من بلغته رسالته .

وربط السعادة مع إصلاح العمل به في مثل قوله : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } وقوله : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } .

وأحبط الأعمال الصالحة بزواله في مثل قوله : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } وقوله : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد } وقوله : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم } الآية وقوله : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } ونحو ذلك كثير .

وذكر حال جميع الأمم المهدية أنهم كذلك في قوله : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا } الآية .

ولهذا أمر أهل العقل بتدبره وأهل السمع بسمعه فدعا فيه إلى التدبر والتفكير والتذكر والعقل والفهم وإلى الاستماع والإبصار والإصغاء والتأثر بالوجل والبكاء وغير ذلك وهذا باب واسع .

ولما كان الإقرار بالصانع فطريا - كما قال صلى الله عليه وسلم { كل مولود يولد على الفطرة } الحديث - فإن الفطرة تتضمن الإقرار بالله والإنابة إليه وهو معنى لا إله إلا الله ; فإن الإله هو الذي يعرف ويعبد وقد بسطت هذا المعنى في غير هذا الموضع .

وكان المقصود بالدعوة : وصول العباد إلى ما خلقوا له من عبادة ربهم وحده لا شريك له والعبادة أصلها عبادة القلب المستتبع للجوارح فإن القلب هو الملك والأعضاء جنوده . وهو المضغة الذي إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد . وإنما ذلك بعلمه وحاله كان هذا الأصل الذي هو عبادة الله : بمعرفته ومحبته : هو أصل الدعوة في القرآن . فقال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .

[ ص: 7 ] وقال في صدر البقرة - بعد أن صنف الخلق ثلاثة أصناف : مؤمن وكافر ومنافق - فقال بعد ذلك : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } وذكر آلاءه التي تتضمن نعمته وقدرته ثم أتبع ذلك بتقريره النبوة بقوله : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } .

والمتكلم يستحسن مثل هذا التأليف ويستعظمه حيث قررت الربوبية ثم الرسالة ويظن أن هذا موافق لطريقته الكلامية في نظره في القضايا العقليات أولا : من تقرير الربوبية ثم تقرير النبوة ثم تلقي السمعيات من النبوة كما هي الطريقة المشهورة الكلامية للمعتزلة والكرامية والكلابية والأشعرية . ومن سلك هذه الطريق في إثبات الصانع أولا بناء على حدوث العالم ثم إثبات صفاته نفيا وإثباتا بالقياس العقلي - على ما بينهم فيه من اتفاق واختلاف : إما في المسائل وإما في الدلائل - ثم بعد ذلك يتكلمون في السمعيات من المعاد والثواب والعقاب والخلافة والتفضيل والإيمان بطريق مجمل .

وإنما عمدة الكلام عندهم ومعظمه : هو تلك القضايا التي يسمونها العقليات وهي أصول دينهم . وقد بنوها على مقاييس تستلزم رد كثير مما جاءت به السنة ; فلحقهم الذم من جهة ضعف المقاييس التي بنوا عليها ومن جهة ردهم لما جاءت به السنة .

وهم قسمان : -

قسم بنوا على هذه العقليات القياسية : الأصول العلمية دون العملية . كالأشعرية .

[ ص: 8 ] وقسم بنوا عليها الأصول العلمية والعملية كالمعتزلة حتى إن هؤلاء يأخذون القدر المشترك في الأفعال بين الله وبين عباده فما حسن من الله حسن من العبد وما قبح من العبد قبح من الله ; ولهذا سماهم الناس مشبهة الأفعال .

ولا شك أن هؤلاء هم المتكلمة المذمومون عند السلف لكثرة بنائهم الدين على القياس الفاسد الكلامي وردهم لما جاء به الكتاب والسنة .

والآخرون لما شاركوهم في بعض ذلك لحقهم من الذم والعيب بقدر ما وافقوهم فيه ; وهو موافقتهم في كثير من دلائلهم ; التي يزعمون أنهم يقررون بها أصول الدين والإيمان وفي طائفة من مسائلهم التي يخالفون بها السنن والآثار وما عليه أهل العقل والدين .

وليس الغرض هنا تفصيل أحوالهم فإنا قد كتبنا فيه أشياء في غير هذا الموضع .

وإنما الغرض هنا أن طريقة القرآن جاءت في أصول الدين وفروعه - في الدلائل والمسائل - بأكمل المناهج .

والمتكلم يظن أنه بطريقته - التي انفرد بها - قد وافق طريقة القرآن : تارة في إثبات الربوبية وتارة في إثبات الوحدانية وتارة في إثبات النبوة وتارة في إثبات المعاد وهو مخطئ في كثير من ذلك أو أكثره مثل هذا الموضع .

فإنه قد أخطأ المتكلم في ظنه أن طريقة القرآن توافق طريقته من وجوه .

[ ص: 9 ] منها : أن إثبات الصانع في القرآن بنفس آياته التي يستلزم العلم بها العلم به كاستلزام العلم بالشعاع : العلم بالشمس من غير احتياج إلى قياس كلي يقال فيه : وكل محدث فلا بد له من محدث ; أو كل ممكن فلا بد له من مرجح ; أو كل حركة فلا بد لها من علة غائية أو فاعلية ; ومن غير احتياج إلى أن يقال : سبب الافتقار إلى الصانع هل هو الحدوث فقط - كما تقوله المعتزلة ؟ أو الإمكان - كما يقوله الجمهور ؟ حتى يرتبون عليه أن الثاني حال باقية مفتقرة إلى الصانع على القول الثاني الصحيح دون الأول فإني قد بسطت هذا الموضع في غير هذا المكان وبينت ما هو الحق ; من أن نفس الذوات المخلوقة مفتقرة إلى الصانع وأن فقرها وحاجتها إليه وصف ذاتي لهذه الموجودات المخلوقة كما أن الغنى وصف ذاتي للرب الخالق وأنه لا علة لهذا الافتقار غير نفس الماهية وعين الآنية كما أنه لا علة لغناه غير نفس ذاته .

فلك أن تقول : لا علة لفقرها وغناه ; إذ ليس لكل أمر علة ; فكما لا علة لوجوده وغناه : لا علة لعدمها إذا لم يشأ كونها ولا لفقرها إليه إذا شاء كونها وإن شئت أن تقول : علة هذا الفقر وهذا الغنى : نفس الذات وعين الحقيقة .

ويدل على ذلك أن الإنسان يعلم فقر نفسه وحاجتها إلى خالقه من غير أن يخطر بباله أنها ممكنة والممكن الذي يقبل الوجود والعدم أو أنها محدثة والمحدث المسبوق بالعدم ; بل قد يشك في قدمها أو يعتقده . وهو يعلم فقرها وحاجتها إلى بارئها فلو لم يكن للفقر إلى الصانع علة إلا الإمكان أو [ ص: 10 ] الحدوث لما جاز العلم بالفقر إليه ; حتى تعلم هذه العلة ; إذ لا دليل عندهم على الحاجة إلى المؤثر إلا هذا .

وحينئذ : فالعلم بنفس الذوات المفتقرة والآنيات المضطرة توجب العلم بحاجتها إلى بارئها وفقرها إليه ; ولهذا سماها الله آيات . فهذان مقامان :

أحدهما : أنها مفتقرة إلى المؤثر الموجب أو المحدث : لهاتين العلتين .

الثاني : أن كل مفتقر إلى المؤثر : الموجب أو المحدث ; فلا بد له منه . وهو كلام صحيح في نفسه ; لكن ليس الطريق مفتقرا إليه وفيه طول وعقبات تبعد المقصود .

أما المقام الأول : فالعلم بفقرها غير مفتقر إلى دليل على ذلك من إمكان أو حدوث .

وأما الثاني : فإن كونها مفتقرة إليه غير مفتقر إلى أن يستدل عليه بقياس كلي : من أن كل ممكن فلا بد له من موجب وكل محدث فلا بد له من محدث لأنها آية له يمتنع أن تكون دونه أو أن تكون غير آية له .

والقلب بفطرته يعلم ذلك ; وإن لم يخطر بقلبه وصف الإمكان والحدوث .

والنكتة : أن وصف الإمكان والحدوث لا يجب أن يعتبره القلب لا في فقر ذواتها ولا في أنها آية لباريها ; وإن كانا وصفين ثابتين . وهما أيضا دليل صحيح ; لكن أعيان الممكنات آية لعين خالقها الذي ليس كمثله شيء ; بحيث لا يمكن أن يقع شركة فيه .

[ ص: 11 ] وأما قولنا كل ممكن فله مرجح وكل محدث فله محدث : فإنما يدل على محدث ومرجح وهو وصف كلي يقبل الشركة ; ولهذا القياس العقلي لا يدل على تعيين وإنما يدل على الكلي المطلق فلا بد إذا من التعيين . فالقياس دليل على وصفية مطلقة كلية .

وأيضا فإذا استدل على الصانع بوصف إمكانها أو حدوثها أو هما جميعا لم يفتقر ذلك إلى قياس كلي ; بأن يقال : وكل محدث فلا بد له من محدث أو كل ممكن فلا بد له من مرجح فضلا عن تقرير هاتين المقدمتين بل علم القلب بافتقار هذا الممكن وهذا المحدث كعلمه بافتقار هذا الممكن وهذا المحدث . فليس العلم بحكم المعينات مستفادا من العلم الكلي الشامل لها ; بل قد يكون العلم بحكم المعين في العقل قبل العلم بالحكم الكلي العام . كما أن العلم بأن العشرة ضعف الخمسة : ليس موقوفا على العلم بأن كل عدد له نصفية فهو ضعف نصفيه .

وعلى هذا جاء قوله : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } ؟ قال جبير ابن مطعم : لما سمعتها أحسست بفؤادي قد تصدع . وهو استفهام إنكار يقول أوجدوا من غير مبدع ؟ فهم يعلمون أنهم لم يكونوا من غير مكون ويعلمون أنهم لم يكونوا نفوسهم وعلمهم بحكم أنفسهم معلوم بالفطرة بنفسه لا يحتاج أن يستدل عليه : بأن كل كائن محدث أو كل ممكن لا يوجد بنفسه ولا يوجد من غير موجد وإن كانت هذه القضية العامة النوعية صادقة ; لكن العلم بتلك المعينة الخاصة ; إن لم يكن سابقا لها فليس متأخرا عنها ; ولا دونها في الجلاء .

[ ص: 12 ] وقد بسطت هذا المعنى في غير هذا الموضع ; وذكرت دعوة الأنبياء ; عليهم السلام أنه جاء بالطريق الفطرية كقولهم : { أفي الله شك فاطر السماوات والأرض } ؟ وقول موسى : { رب السماوات والأرض } وقوله في القرآن : { اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } { الذي جعل لكم الأرض فراشا } بين أن نفس هذه الذوات آية لله ; كما أشرنا إليه أولا من غير حاجة إلى ذينك المقامين ; ولما وبخهم بين حاجتهم إلى الخالق بنفوسهم ; من غير أن تحتاج إلى مقدمة كلية : هم فيها وسائر أفرادها سواء ; بل هم أوضح . وهذا المعنى قررته مبسوطا في غير هذا . الوجه الثاني : في مفارقة الطريقة القرآنية الكلامية إن الله أمر بعبادته التي هي كمال النفوس وصلاحها وغايتها ونهايتها لم يقتصر على مجرد الإقرار به كما هو غاية الطريقة الكلامية فلا وافقوا لا في الوسائل ولا في المقاصد فإن الوسيلة القرآنية قد أشرنا إلى أنها فطرية قريبة موصلة إلى عين المقصود وتلك قياسية بعيدة ; ولا توصل إلا إلى نوع المقصود لا إلى عينه . وأما المقاصد فالقرآن أخبر بالعلم به والعمل له فجمع بين قوتي الإنسان العلمية والعملية : الحسية والحركية الإرادية الإدراكية والاعتمادية : القولية والعملية حيث قال : { اعبدوا ربكم } فالعبادة لا بد فيها من معرفته والإنابة إليه والتذلل له والافتقار إليه ; وهذا هو المقصود ; والطريقة الكلامية ; إنما تفيد مجرد الإقرار ; والاعتراف بوجوده .

[ ص: 13 ] وهذا إذا حصل من غير عبادة وإنابة : كان وبالا على صاحبه ; وشقاء له كما جاء في الحديث : { أشد الناس عذابا يوم القيامة : عالم لم ينفعه الله بعلمه } كإبليس اللعين ; فإنه معترف بربه مقر بوجوده ; لكن لما لم يعبده كان رأس الأشقياء وكل من شقي فباتباعه له . كما قال : { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } .

فلا بد أن يملأ جهنم منه ومن أتباعه مع أنه معترف بالرب ; مقر بوجوده وإنما أبى واستكبر عن الطاعة ; والعبادة ; والقوة العلمية مع العملية بمنزلة الفاعل والغاية ; ولهذا قيل العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر والمراد بالعمل هنا عمل القلب الذي هو إنابته إلى الله وخشيته له حتى يكون عابدا له .

فالرسل والكتب المنزلة : أمرت بهذا وأوجبته بل هو رأس الدعوة ومقصودها وأصلها والطريقة السماعية العملية الصوتية المنحرفة ; توافق على المقصود العملي ; لكن لا بعلم ; بل بصوت مجرد أو بشعر مهيج ; أو بوصف حب مجمل . فكما أن الطريقة الكلامية فيها علم ناقص بلا عمل . فهذه الطريقة فيها عمل ناقص بلا علم . والطريقة النبوية القرآنية السنية الجماعية فيها العلم والعمل كاملين .

ففاتحة دعوة الرسل : الأمر بالعبادة . قال تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } وقال صلى الله عليه وسلم { أمرت أن [ ص: 14 ] أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله } وذلك يتضمن الإقرار به وعبادته وحده فإن الإله هو المعبود ولم يقل حتى يشهدوا أن لا رب إلا الله ; فإن اسم الله أدل على مقصود العبادة له التي لها خلق الخلق وبها أمروا .

وكذلك قوله لمعاذ : { إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله } وقال نوح عليه السلام { أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون } وكذلك الرسل في سورة الأعراف وغيرها .

وقال : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال للرسل جميعا : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } وقال تعالى : { لإيلاف قريش } { إيلافهم رحلة الشتاء والصيف } { فليعبدوا رب هذا البيت } { الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } وقال : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء } وقال : { قل يا أيها الكافرون } { لا أعبد ما تعبدون } { ولا أنتم عابدون ما أعبد } وقال في الفاتحة : { إياك نعبد وإياك نستعين } وقال : { فاعبده وتوكل عليه } وقال : { فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } ؟ وقال : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } .


[ ص: 98 ] وقال أيضا :

فصل

حقيقة مذهب الاتحادية - كصاحب الفصوص ونحوه - الذي يئول إليه كلامهم ويصرحون به في مواضع - أن الحقائق تتبع العقائد ; وهذا أحد أقوال السوفسطائية ; فكل من قال شيئا أو اعتقده ; فهو حق في نفس هذا القائل المعتقد ; ولذا يجعلون الكذب حقا ويقولون العارف لا يكذب أحدا فإن الكذب هو أيضا أمر موجود وهو حق في نفس الكاذب ; فإن اعتقده كان حقا في اعتقاده وكلامه . ولو قال ما لم يعتقده [ كان ] حقا في كلامه فقط .

ولهذا يأمر المحقق أن تعتقد كل ما يعتقده الخلائق كما قال :

عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه


ومعلوم أن الاعتقادات المتناقضة لا تكون معتقداتها في الخارج ; لكن في نفس المعتقد ; ولهذا يأمرون بالتصديق بين النقيضين والضدين ويجعلون هذا من أصول طريقهم وتحقيقهم ومعلوم أن النقيضين : لا يجتمعان في الخارج ; لكن يمكن اعتقاد اجتماعهما فيكون ذلك حقا في نفس المعتقد وهم يدعون أن ذلك يحصل كشفا فكشفهم متناقض فخاطبت بذلك بعضهم فقال : كلاهما [ ص: 99 ] حق كالذي كشف له أن الزهرة فوق عطارد والذي كشف له أنها تحت عطارد فقال هي من كشف هذا فوق عطارد وفي كشف هذا تحت عطارد وأمثال ذلك ; فجعلوا الحقائق الثابتة تتبع الكشف والاعتقاد والقول .

ولهذا يقولون سر حيث شئت فإن الله ثم وقل ما شئت فيه فإن الواسع الله . ومضمون هذا الأصل أن كل إنسان : يقول ما شاء ويعتقد ما شاء من غير تمييز بين حق وباطل وصادق وكاذب وأنه لا ينكر في الوجود شيء وهكذا يقولون . هذا من جهة الخبر والعلم وأما من جهة الأمر والعمل فإن محققهم يقول : ما عندنا حرام ; ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم فما عندهم أمر ولا نهي كما قال القاضي الذي هو تلميذ صاحب الفصوص فيما أنشدنيه الشاهد ابن [ عمد الملقب بعرعيه ] :
ما الأمر إلا نسق واحد ما فيه من حمد ولا ذم
وإنما العادة قد خصصت والطبع والشارع بالحكم


وحينئذ فما يبقى للأقوال والأفعال إلا مجرد القدرة ; ولهذا هم يمشون مع الكون دائما فأي شيء وجد وكان : كان عندهم حقا ; فالحلال ما وجدته وحل بيدك والحرام ما حرمته والحق ما قلته كائنا ما كان والباطل ما لم يقله أحد . وهؤلاء شر من المباحية الملاحدة الذين يجرون مع محض القدر .

فإن أولئك يعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب وهؤلاء [ ص: 100 ] عطلوا أيضا الصانع والرسالة والحقائق كلها وجعلوا الحقائق بحسب ما يكشف للإنسان ولم يجعلوا للحقائق في أنفسها حقائق تتحقق به يكون ثابتا وبنقيضه منتفيا ; بل هذا عندهم يفيده الإطلاق : ألا تقف مع معتقد بل تعتقد جميع ما اعتقده الناس فإن كانت أقوالا متناقضة فإن الوجود يسع هذا كله ووحدة الوجود تسع هذا كله .

ومعلوم أن الوجود إنما يسع وجود هذه الاعتقادات لا يسع تحقق المعتقدات في أنفسها وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء فإن الاعتقاد الباطل . والقول الكاذب : هو موجود داخل في الوجود لكن هذا لا يقتضي أن يكون حقا وصدقا فإن الحق والصدق إذا أطلق على الأقوال الخبرية لا يراد به مجرد وجودها ; فإن هذا أمر معلوم بالحس وعلى هذا التقدير فكلها حق وصدق .

ومن المعلوم أن السائل عن حقها وصدقها : هي عنده منقسمة إلى حق وباطل وصدق وكذب والمراد بكونها حقا وصدقا : كونها مطابقة للخبر أو غير مطابقة ثم قد تكون مطابقة في اعتقاد القائل دون الخارج ; وهذا هو الخطأ . وقد يسمى كذبا وقد لا يطلق عليه ذلك .

فالأول : كقول النبي صلى الله عليه وسلم { كذب أبو السنابل } وقوله : { كذب من قالها إن له لأجرين اثنين إنه لجاهد } مجاهد وقول عبادة : كذب أبوكم , وقول ابن عباس : كذب نوف .

[ ص: 101 ] والثاني : كقوله صلى الله عليه وسلم { لم أنس ولم تقصر فقال له ذو اليدين بلى قد نسيت } . وكأن الفرق والله أعلم : - أن من أخبر مع تفريطه في الطريق الذي يعلم به صوابه وخطأه فأخطأ سمي كاذبا - بخلاف من لم يفرط - [ لأنه ] تكلم بلا حجة ولا دليل مجازفة فأخطأ بخلاف من أخبر غير مفرط . وهذا الفرق يصلح أن يفرق به فيمن حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه أنه إن حلف مجازفا بلا أصل يرجع إليه مثل من حلف أن هذا غراب أو ليس بغراب بلا مستند أصلا فبان خطأ ; فإن هذا يحنث وذلك يحنث مثل هذا و [ إن ] لم يعلم خطأه وإن أصاب وهي مسألة حلفه أنه في الجنة وهذا كما تقول : المفتي إذا أفتى بغير علم أنه أثم وإن أصاب وكذلك المصلي إلى القبلة بغير اجتهاد وكذلك المفسر للقرآن برأيه .

ولهذا تجد هؤلاء في أخبارهم من أكثر الناس كذبا بل الكذب كالصدق عندهم فيستعملونه بحسب الحاجة ولا يبالون إذا أخبروا عن الشيء الواحد بخبرين متناقضين وتجدهم في أعمالهم بحسب أهوائهم فيعملون العملين المتناقضين أيضا إذا وافق هذا هو أهم في وقت وهذا هو أهم في وقت .

وهم دائما مع المطاع سواء كان مؤمنا أو كافرا أو برا أو فاجرا أو صديقا أو زنديقا والتتار قبل إسلامهم وإن شركوهم في هذا : فهم [ أحسن منهم ] في الخبريات إذ التتار لا يخبرون عن الأمور الإلهية : بالخبرين المتناقضين بل أحدهم إما أن يعتقد الشيء علما أو تقليدا أو لا يعتقد شيئا فإما أن يجمع [ ص: 102 ] بين النقيضين فلا فهؤلاء شر حالا من مثل التتار ولهذا ليس لهم عاقبة فإنهم ليسوا متقين يميزون بين مأمور ومحظور وصدق وكذب والعاقبة إنما هي للمتقين وإنما قيام أحدهم : بقدر ما يكون قادرا .

ومعلوم أن قدرة أحدهم لا تدوم بل يعمل بها من الأعمال ما يكون سبب الوبال ; ولا ريب أن هؤلاء مندرجون في قوله تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } وفي قوله : { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل } وقوله : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه } وفي قوله : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء } وفي قوله : { صم بكم عمي فهم لا يعقلون } . وفي قوله : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل } .

ولا ريب أن الحق نوعان : حق موجود وبه يتعلق الخبر الصادق وحق مقصود : وبه يتعلق الأمر الحكيم والعمل الصالح وضد الحق : الباطل ومن الباطل الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم { كل لهو يلهو الرجل به فهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق } والحق الموجود إذا أخبر عنه بخلافه كان كذبا وهؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل بين الحق الموجود الذي ينبغي اعتقاده والباطل المعدوم الذي ينبغي نفيه في الخبر [ ص: 103 ] عنهما ولا بين الحق المقصود الذي ينبغي اعتماده والباطل الذي ينبغي اجتنابه بل يقصدون ما هووه وأمكنهم منهما .

وأصدق الحق الموجود : ما أخبر الله بوجوده والخبر الحق المقصود ما أمر الله به ; وإن شئت قلت أصدق خبر عن الحق الموجود خبر الله وخير أمر بالحق المقصود أمر الله والإيمان يجمع هذين الأصلين : تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر . وإذا قرن بينهما قيل : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } والعمل خير من القول كما قال الحسن البصري : " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ; ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل " .
قديم 18/11/2007, 12:14 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
على زكي
من مؤسسي المهندسين العرب

الصورة الرمزية على زكي

الملف الشخصي
رقم العضوية : 16
تاريخ التسجيل : Jun 2005
العمـر :
الجنـس :
الدولـة :
المشاركات : 6,705 [+]
آخر تواجـد : ()
عدد النقاط : 51
قوة الترشيـح : على زكي يستاهل التقييم

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

على زكي غير متصل

افتراضي رد: مجموع فتاوى ابن تيمية 9

مشكوووووووور
توقيع » على زكي

 

 
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس

الساده الاعضاء و زوار منتديات المهندسين العرب الكرام , , مشاهده القنوات الفضائيه بدون كارت مخالف للقوانين والمنتدى للغرض التعليمى فقط

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~