الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف

[الجيلاني]

دروس من تمبكتو
الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف
شرفٌ للأمة وحفاظ على الهوية

عبدالسلام عبدالكريم

نعم إنه عيد.. عيد للأمة وعيد للعالمين.. وما الذي أعز من بين الأعياد سوى هذا العيد الذي يجسد الحب لمحمد صلى الله عليه وسلم والسير على دربه والتمسك بسنته ونشر دعوته حتى تعم الكون كله.
لماذا ينكر بعض المسلمين علينا الاحتفال بمولد أشرف خلق الله؟ إنهم ويقولون إن الاحتفال بدعة، أما أن يحتفلوا بعيد ميلاد موسيقي أو مطرب أو رسام أو سياسي غربي فهذا ليس بدعة.
وحتى يكونوا على بينة من الأمر نريد أن نذكر بأن الاحتفال بمولد سيد الأنبياء والرسل ليس طبلاً وزمراً وخزعبلات إنما هو تأكيد للانتماء لأمة الإسلام والقرآن وربط الحاضر بالماضي لتبقى هوية الأمة محافظة على نفسها من الانقطاع والتشويه لقد أراد شياطين العصر أن نقطع صلتنا بإسلامنا وبرسولنا. من خلال فرض الهيمنة وفرض الثقافة الغربية وفرض مناهج التربية والتعليم.
وحاولوا بأي شكل من أشكال الضغوط أن تبقى الشكليات هي السائدة على حياتنا. أما الجوهر فإنهم لا يريدونه لأنه يمثل عزة الإسلام والتصدي لكل محاولات الهيمنة والاستعباد.
من هنا نقول إن الزمن المعاصر هو الزمن الأكثر تناسباً لتأكيد انتمائنا لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وانتمائنا هذا الإسلام العظيم.
فالحملة على الإسلام تشتد وتشويه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بلغ مداه، واتهم الإسلام بالإرهاب والتخلف. وشنوا على الأمة أخطر حملة عسكرية وفكرية وإعلامية فإذا ركنت الأمة واستكانت واستجابت لهذه التشويهات وكمّت أفواهها وعجزت عن الرد المناسب فإن هذا ما تبغيه أوساط الغرب وما تريد الوصول إليه.
وباعتبار أن الحملة وصلت إلى ما وصلت إليه فإن أول ما يتبادر إلى الذهن الإسلامي هو تأكيد الانتماء للإسلام ولنبي الإسلام.
ولعل الاحتفال الشمولي بعيد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح واجباً شرعياً على كل مسلم وكل شعب مهما كان بعيداً وأينما وُجد. حتى يعرف الذين يشوهون إسلامنا ونبينا أن نبينا ليس موسيقياً أو فناناً أو رجل سياسة. إنما هو نبي بعثه رب العالمين لينقذ البشرية من الضلال إلى الهدى ومن الظلام إلى النور وليبني إنساناً جديداً يتمثل أسمى المثل والقيم وينشرها على أكبر مساحة أرضية من العالم.
الاحتفال بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعني إعادة التذكير الكلي بالبعثة وبالقرآن وبالحياة وبالسيرة التي امتدت لأكثر من عشرين عاماً.
فعندما يجتمع أبناء الأمة في كل بقاع الأرض جماعات جماعات ويكون احتفالهم مركزاً على ذكر التاريخ المرتبط بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يعيدون إلى العقل والوجدان الحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله الله دستوراً شاملاً للسياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتربية.
يتذكرون آياته التي تتحدث عن اليهود والنصارى والأمم الأخرى وتتحدث عن الأنبياء والرسل وخلق السماوات والأرض والإنسان. وتتحدث عن الإيمان والعبادات والتواصل مع تعاليم الله وأوامره ونواهيه.
ويعيدون الحديث عن الصبر الذي تمثل في شخصية النبي العظيم والمعاناة التي لقيها أثناء دعوته. وعن حلمه وصفحه ودعوته للأخوة بين أفراد هذه الأمة مهما كان جنسهم ومهما كانت ألوانهم.
يعيدون الكلام عن دور المرأة المسلمة في بناء الأجيال ومشاركتهم الفعالة في كل شؤون الحياة الإسلامية.
وفي هذا الاحتفال يعيدون سيرة الدفاع الشريف عن دينهم ودعوتهم وأعراضهم فكانت الهجرة من مكة إلى المدينة وكانت المعاناة والدروس والعبر. وكان بناء المدينة كعاصمة للدولة الفتية.
ثم كانت معركة بدر وكان الشهداء وكان النصر وكان التأييد الإلهي. ثم كانت أحد، والانتصار الذي انقلب إلى خسارة المعركة بسبب معصية أوامر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم كانت الأحزاب وكانت الخندق وكان الحذر من غدر يهود.
وتمضي الأيام ويأتي صلح الحديبية، ثم نقض هذا الصلح والفتح الرباني للمسلمين حين دخلوا مكة بعشرة آلاف رجل يكبرون الله على نعمة الإسلام. وكان ما كان من تحطيم الوثنية والأصنام.
ثم تنطلق الأحاديث لتتحدث عن التحرك الخارجي فكانت مؤتة ثم ختمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك. ليؤكد أن الفتح القادم هو تحرير بيت المقدس وبلاد الشام من أيدي المغتصبين الرومان.
تلك هي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتلك هي أحاديث المسلمين في عيد مولد رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم. فما الذي يضير إذا احتفل المسلمون بهذا اليوم العظيم؟
أيظنون أن الاحتفال اليوم هو كما كان في عصور التخلف والجمود؟
نحن اليوم أمة إسلامية واعية، نضجت في فكرها وثقافتها، وحافظت على لغتها وتراثها وليست بحاجة إلى خزعبلات وخرافات ومظاهر سلبية بعيدة عن روح الإسلام وجوهره.
اليوم تعيد الأمة التأكيد على انتمائها وهويتها وشخصيتها فهي لا تحيا من دون الارتباط بين ماضيها وحاضرها. فإذا انقطع الماضي عن الحاضر ضاعت ملامح الهوية وتشوهت.
وأي شعب في الوجود لا ينظر إلى ماضيه نظرة اعتزاز وافتخار؟ وماضي الأمة الإسلامية هو ماضي العطاء الثقافي الإنساني الواسع. وماضي العطاء الروحاني الإنساني. وماضي العطاء العلمي والفلسفي والاجتماعي.
وإذا نظرنا اليوم إلى هذا الاحتفال الذي يقام على سبيل المثال في تمبكتو أو في طشقند أو جاكرتا أو غيرها فإننا نرى أن الأمة تنشد الوحدة بين أفرادها وتتطلع إلى استقلالها والحفاظ على هويتها وشخصيتها بعيداً عن التشويهات المقصودة وغير المقصودة.
إن الغريب اليوم أن نسمع بعض السياسيين الغربيين يصفون الاحتفال الإسلامي بعيد المولد النبوي الشريف على أنه مظهر من مظاهر التعصب ضد الغرب. ومظهر من مظاهر التأكيد على العنف وعدم تقبل الآخر.
فماذا يريدون منا أو ماذا يريدون حتى لا نكون متعصبين كما يقولون؟
هل يريدوننا أن نحتفل بعيد ميلاد جورج واشنطن أو هرتزل أو كرومر؟
هل يريدون منا أن نقدم كعكة لكونداليزا رايس في عيدها الواحد والخمسين، ونضع عليها العلم الأميركي والعلم العربي؟
فهم عندما يحتفلون بعيد ميلاد المسيح يحولون كل المثل وكل ما جاء به المسيح إلى مظهر للإباحية والفساد. فمن من الغربيين لا يفقد عقله بمثل هذا الاحتفال لكثرة ما تناولوا من مسكرات ومخدرات؟
ومن من الغربيين لا يفكر ليلة الميلاد بمعاشرة النساء والوقوع في أبشع مظهر لا أخلاقي؟ هل هكذا يريدون أن نحتفل؟
إننا عندما نحتفل على طريقتنا الإسلامية نؤكد ارتباطنا بالقيم السامية والأخلاق الحميدة. والسلوك السليم. فهل هذا تعصب أم عنف؟ أم هو احتفال بقيم الأنبياء جميعاً ودعوتهم السامية لإنقاذ البشرية من ضلالها؟
إن ما يغيظهم ويغيظ عملاءهم أن يحتفل المسلمون بعشرات الآلاف في مدينة تمبكتو المسلمة ويغيظهم أن يقود الزعيم معمر القذافي الأمة المسلمة ويصلي بها إماماً ليؤكد أن الذي يريد أن يكون مسلماً قائداً حكيماً مخلصاً لأمته لابد من أن ينزل إلى الجماهير ويتحمل مسؤولية قيادتها في أجمل صورة إسلامية وهي الصلاة الجامعة في العراء.
إن هذا يزعجهم بل ويغيظهم، ونحن – المسلمين - نرى أن الأمة اليوم وعت ذاتها وهويتها وأدركت كيف يكون الإسلام في ظل عصر متموج متقلب تقتله الانحرافات ويستمرأ فيه الضلال والاستعباد.
وأول تعبير عن وعي الذات هو ذلك الاحتفال الجامع الشامل بذكرى مولد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والتأكيد فيه على الهوية والشخصية الإسلامية. ومن ثم التأكيد على وحدانية الدين الإسلامي. وكذلك التأكيد على الدعوة قولاً وعملاً ومن ثم التأكيد على المستقبل الإسلامي للعالم الذي لا يحتاج إلى حروب أو صراعات.. إنما يحتاج إلى حوار وتواصل وتفاعل فكري ووجداني.
وهذا ما أكد عليه الزعيم معمر القذافي في نص خطابه الذي ألقاه بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف في مدينة تمبكتو الإسلامية بتاريخ العاشر من شهر نيسان الماضي.

[الشيخ سيد]

زادك الله علما وأدبا وذكرا وجعلني وإياك ممن يستمعون
القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على محمد وآل محمد
مشكور والى الأمام بارك الله فيك