شباب أبو حماد ضاعوا في رومانيا

[الديب sat]

دق جرس التليفون.. رفع محمد السماعة وكان علي الهاتف شقيقه حسن يتحدث من رومانيا يصرخ ويبكي ويتوسل إليه أن يرسل له نقوداً بالدولار حتي ينقذه من الجوع والعودة إلي مصر بعدما وصل إلي بوخارست بتأشيرة عمل لمدة شهر واحد فقط للهجرة إلي إحدي الدول الأوروبية وفوجئ مثل غيره من الشباب بأنه لا يوجد عمل ولا هجرة وأنهم يعيشون في بدروم هرباً من الشرطة ويتسولون قوت يومهم

.. ارتفعت صرخات الشاب مرة أخري من رومانيا مع الصمت الرهيب الذي أصاب شقيقه بسبب بيعه البيت الذي كان يعيش فيه قبل السفر ولا يوجد شيء يمكن أن يقدمه له بعد ذلك.. انهار الجميع وسط الصرخات وأغلقت السماعة ليطير عقل محمد من شدة الصدمة الرهيبة التي وقع فيها شقيقه وأكثر من 150 شاباً في مدينة أبو حماد.

طارت الدنيا بالشقيق الذي خسر كل شيء من أجل سفر شقيقه والهجرة إلي رومانيا وضاعت الأموال التي دفعوها وهي 30 ألف جنيه مقابل تأشيرة السفر وتذكرة الطيران.. ضرب رأسه في الحائط نادماً عما فعله مع شقيقه بعدما اقترض من الجيران ووقع علي إيصالات أمانة والآن ينتظر السجن، وفي نفس الوقت شقيقه في الخارج ينتظر الموت جوعاً.

ضاقت الدنيا به.. أسرع إلي منزل محمود كشري الذي أحضر له التأشيرة مع مجموعة من الشباب طرق بابه بشدة.. طلب منه إنقاذ شقيقه.. ابتسم ساخراً مؤكداً بأنه سلمه تأشيرة مدة شهر كطريق جديد للهجرة بدلاً من الموت في البحر ومخاطره وأنه سافر عن طريق التأشيرة وليس عنده شيء بعد ذلك وليس من مهمته البحث له عن عمل.. خرج محمد ثائراً والدموع تتساقط علي خديه صارخاً لما يحدث في مدينة أبو حماد بأكملها وبلا استثناء. كل شيء للبيع أراضي.. أملاك.. مواشي.. مصوغات ذهبية، الجميع يبحث عن أموال بأي طريقة من أجل السفر والهجرة غير الشرعية بعدما ابتدع محمود كشري طريقاً جديداً للهجرة بدلاً من الموت في البحر واحتمالات الغرق وهو التعاون مع أحد المصريين المحترفين في قضايا الهجرة غير الشرعية ويدعي أحمد محمد نجم وهو حاصل علي الجنسية الرومانية وله ملف كبير أمام سفارة مصر في بوخارست ويقوم هذا الرجل بتوفير تأشيرات للشباب المصريين بادعاء »تأشيرة عمل لمدة شهر« وهذه اللعبة من أجل جذب الشباب الذين يريدون الهجرة والهرب إلي إحدي الدول الأوروبية ويحصل في مقابل ذلك علي 30 ألف جنيه مقابل التأشيرة يقتسمها هو وشريكه »كشري« وقد سافر حتي الآن أكثر من 150 شاباً وهناك مئات الشباب يتدفقون إلي مدينة أبو حماد من أجل الفوز بالتأشيرة في الوقت الذي يصرخ الشباب في بوخارست من الواقع الأليم الذي سقطوا فيه لعدم وجود عمل ولا شيء يذكر، الأمر الذي جعل سفير مصر في بوخارست يصرخ هو الآخر من سقوط مئات الشباب ضحية الهجرة الفاشلة وتعرض المصريون هناك للموت جوعاً ومطاردة الشرطة لهم في كل مكان ويطلب السفير من وزارة الخارجية المصرية سرعة وقف سفر الشباب إلي رومانيا بهذه الطريقة غير الشرعية..

لم يصدق أحد ما يحدث، فالكل ينظر إلي صرخات المسافرين بأنهم لا يريدون أقرانهم من القرية السفر مثلهم وجني الهجرة لصالحهم وهذا ما ابتدعه كشري وأعوانه حتي تكتمل الصورة أمام الشباب ويجمع مئات الألوف مقابل هذه التأشيرات ومازال جميع الشباب في مدينة أبوحماد والقري المجاورة لها يبيعون كل شيء حتي ميراثهم ومن أجل حلم السفر وامتد الأمر إلي جميع المحافظات بعدما اعتمد »كشري« علي مندوبين له في كل المحافظات وارتفع معه سعر التأشيرة إلي 40 ألف جنيه وهناك عشرات الشباب يسافرون من مطار القاهرة يومياً، الأمر الذي جعلني أبحث عن سر هذه المغامرة والطريق الجديد للهجرة الذي ابتدعه البعض هذه الأيام..

حصلت علي تأشيرة لأحد الشباب وكان عليها مكتب لشركة في مدينة نصر اسمها جوهرة المدينة لإلحاق العمالة بالخارج وفور اتصالي بالمدير المسئول عن الشركة الذي يدعي سيد الباز صرخ في وجهي قائلاً: إنني لست مسئولاً عن تلك التأشيرات.. أنا اتخرب بيتي بسببها وليس لي أي يد فيها وإنما ما حدث هو كالآتي: قلت له كيف حدث ذلك وهل أبلغت الشرطة بذلك؟ قال في هدوء: إنني أعمل في إلحاق العمالة المصرية للدول العربية وفوجئت ذات يوم بخطاب من وزارة الخارجية يطلب مني أن أمتنع عن تسفير الشباب إلي رومانيا لأن الشركة تتعاون مع مصري في رومانيا يدعي »نجم« له قضايا هجرة غير شرعية وغير مرغوب في التعامل معه، فأكدت أن هذه التأشيرات ليست من عند الشركة ولا أعلم عنها شيئاً، وفور وصول تلك المعلومات تذكرت أن شريكي بالحصة والذي يدعي محمود كشري هو الذي قام بالتعامل مع هذا الشخص بالمخالفة للشراكة بيننا، حيث إنه ليس له شيء في إدارة الشركة نهائياً ويحصل علي مستحقاته المادية فقط، ولكني فوجئت به يرسل إلي أحمد محمد نجم المصري في رومانيا بخطابات عليها اسم الشركة باعتباره هو المدير المسئول، وهذا بخلاف الحقيقة حيث إنه ليس له أي شيء في إدارة الشركة وليس من حقه إرسال مثل هذه الخطابات وأنه يستغل اسم الشركة في هذه التأشيرات، وبعدما قدمت بلاغاً رسمياً في إدارة مباحث تصاريح العمل التي أجرت تحريات بإشراف اللواء محمد زكي مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن المنافذ وتبين من تحريات اللواء محمد نجيب مدير الإدارة العامة لتصاريح العمل أن شريكي يتعامل مع شخص غير مرغوب فيه ويغرر بالشباب من أجل الهجرة غير الشرعية وعليه قام العميد عصام عبدالعال رئيس مباحث الإدارة بالقبض علي محمود علي عطية وتحرر محضر رقم 10627 جنح أبوحماد واقتاده الرائد مصطفي محفوظ رئيس مباحث الشركات إلي النيابة وتم التحقيق معه ووقع أمام وكيل النيابة بأنه لن يتعاون مرة أخري مع المصري في رومانيا وعدم تسفير الشباب ومازالت التحقيقات سارية.

سألته ولماذا يسافر الشباب الآن وكيف حصلوا علي التأشيرات وهناك المئات يتدبرون النقود من أجل السفر؟.. صرخ سيد الباز قائلاً: فعلاً هناك شباب سوف يسافر اليوم إلي بوخارست بهذه التأشيرة ومازالت التأشيرات تصل إلي الشباب في مصر، خاصة أنها تقليعة جديدة ابتدعها المصري الذي يحمل الجنسية الرومانية مع شريكه في أبو حماد وأنا غير مسئول عن هذه التأشيرات.

وقد أخذت محمود علي عطية الشهير بمحمود كشري إلي مباحث الأموال العامة والإدارة العامة للهجرة والسفر بمجمع التحرير ووقع علي إقرار بعدم التعامل مع رومانيا واعترف بالواقعة ولم ينكرها ورغم ذلك فهناك شباب يسافر الآن وسوف أضطر مرة أخري لتحرير محاضر ضده وتقدمت بطلب لوزارة القوي العاملة بإنقاذي من الشريك الذي يتلاعب بأوراق الشركة ويدعي أنه المدير المسئول.

ويطالب الباز الشباب بعدم السفر والجري وراء تأشيرة مخادعة تدمر الشباب ويصرخ الرجل قائلاً: انقذوني من هذا الشريك الذي يدمر سمعة الشركة التي تعمل في الدول العربية فقط وليس الأجنبية ويجب منع سفر الشباب بهذه الطريقة من التأشيرات لأنها في النهاية هجرة غير شرعية..

وفي الوقت نفسه ورغم تعهد محمود كشري نفسه بعدم التعامل مع الصديق المصري الذي يحمل الجنسية الرومانية إلا أنه مازال يتقاضي من الشباب النقود ويتخذ من معرض أحد أعوانه مقراً للتعامل مع الشباب والحصول علي الأموال مقابل التأشيرات ويدعي لهم بأن أحمد نجم والملقب باسم الدكتور يقوم ببناء مدينة سكنية في رومانيا ويحتاج مئات العمال هناك وأن الذي يرفض العمل يقوم هو بتهريبه إلي إيطاليا أو أي دولة أخري وهذا علي غير الحقيقة ويستغل كشري بعض الشخصيات المهمة في أبو حماد للجلوس معها والتفاخر بالتعامل معه وهذا علي غير الحقيقة أيضاً، وذلك من أجل جمع أموال الشباب الواهم بالهجرة في ظل غياب الأجهزة الرقابية التي من مهمتها حماية هؤلاء الشباب من الوقوع في قضايا نصب وهجرة غير شرعية.

ووسط تهافت الشباب علي تلك التأشيرات ورغم تحذيرات وزارة الخارجية المصرية وصرخات سفير مصر في بوخارست بسرعة منع سفر الشباب المصري بهذه التأشيرات وعدم التعامل مع نجم وأعوانه في مصر استجاب هشام السرجاني وهو صاحب سوبر ماركت لكلام زملائه في رومانيا الذين يصرخون ويتضورون جوعاً بعد سقوطهم في وهم الهجرة والعمل وأمر هشام علي عدم السفر رغم حصوله علي التأشيرة وعندما طالب أعوان نجم بأمواله رفضوا جميعاً وتم إجراء جلسة عرفية ووقع هشام علي إقرار بعد مطالبته لشركة اكسلانس الرومانية بأي أموال وحصل علي ألفي جنيه فقط من 30 ألف جنيه دفعهم لكشري وأعوانه وتعيش أبو حماد حالياً فوق بركان السفر والهجرة غير الشرعية وبعض القري في الشرقية وامتدت الهجرة والسفر إلي رومانيا إلي شباب المحافظات كطريق جديد للهجرة غير الشرعية ووزارة القوي العاملة مكتوفة الأيدي والمباحث أيضاً والشباب يتساقط يوماً بعد الآخر رغم صرخات الذين سافروا وأسرهم التي ضاعت أموالهم وأصبحوا مهددين بالسجن فماذا تنتظر الأجهزة المعنية بهذه الكارثة التي تدمر الشباب وتلقي بهم في عالم التهلكة.. اغيثوني.. اغيثوني قبل فوات الأوان.