|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرحيل
الرحيل
اقتربت مني مبادرة بإلقاء التحية.. مدت يدها قائلة: تفضلي، هذا شريط قيم عن بداية العام الجديد.. اسأل الله أن ينفعك به. أخذته وكلي دهشة من موقفها الجذاب الذي ملك وأسر لساني.. قررت أن أستمع للشريط وبمجرد وصولي إلى المنزل.. دارت رحى الأيام وأنا أمني نفسي بسماع ذلك الشريط.. ولكثرة انغماسي في الأمور التافهة غفلت عنه.. أخبرتنا الوالدة أن زفاف إحدى قريباتي في منتصف العام وأن أختي ستضع مولودها الأول في عيد الفطر.. وسوف نسافر لقضاء صيف منعش في الإجازة.. حسبت الفارق الزمني بيني وبين تلك الأحداث التي علمت موعدها فإذا هو بعيد في ورقة التقويم قريب في الذهن والخاطر.. فكل يوم أتخيل فرحتي بتلك الأحداث، وكيف سأتقبلها.. لكنني كنت ساذجة.. نعم ساذجة؛ إذ أنني في كل يوم كنت أتولى تمزيق ورقة التاريخ الهجري في التقويم بفرح وشغف وغفلة عن أنه من عمري.. استبشرت بقرب الموعد.. وفي لفيفي هواجس وخواطر.. وأفكار تراودني..ولكن سرعان ما أتلافاها.. أحاول الانشغال بأي شئ ريثما تمر الأيام.. كيف بابنة خالتي التي اقترب موعد زفافها.. إذ كنت أنا أشد شوقًا لذلك اليوم منها.. كنت أتحدث معها.. وكانت تجاذبني أطراف الحديث.. كانت حريصة على وقتها.. كثيرًا ما نصحتني بأن أستغل لحظات عمري فيما ينفعني.. حذرتني من ضياع الوقت فيما لا ينفع لكنني لم أهتم بكلامها.. وذات يوم وصلتني رسالة ومعها كتيبات إسلامية مكتوب في الرسالة: ( من كمال إيمان العبد محاسبته لنفسه في كل حين.. واستغلال وقته؛ فالعمر يمضي والعمل يبقى.. ولا تنشغلي بالدنيا فعمار دار الآخرة أحرى وأولى). التوقيع : ناصحة. قرأتها مرة .. مرتين.. محاولة معرفة الكاتبة؛ لكنني لم أعرفها.. همهمت في نفسي؛ أتكون هي؟ ربما هي.. كم حثتنا على ذلك... تركت الرسالة جنبًا لم أبال بها كثيراً.. فأنا مشغولة بالفستان الجديد الذي سأحضر به الزواج.. محتارة في نوعيه تسريحة شعري.. أريد أن أحظى بإعجاب الجميع. مرت الأيام والساعات.. تم زفاف ابنة خالتي على خير وبركة.. وبعد فترة وجيزة من زواجها وصلنا نبأ سار عن ابنة خالتي.. وصديقة عمري .. من شاطرتني همومي.. إنها ستصبح أمًا بعد عدة شهور.. كدت أطير فرحًا عند سماعي لهذا الخبر.. اتصلت عليها لأهنئها بذلك.. وعدتني إن رزقت ببنية أن تسميها باسمي.. أخذت خالتي تحدثها عما ستفعله مع مولودها الأول وما ستقوم به. حانت ساعة الوضع.. والخروج.. ولكن يا ترى من الخارج حقيقة أهو المولود أم.... وضعت ابنة خالتي جنينها.. ضغطت بقوة على يد أمها التي كانت بجوارها.. أماه سامحيني.. الآن عرفت حقك أكثر.. أرجوك.. ابني هو ابنك.. أَسْميه عمرًا.. وأحسني تربيته.. عوديه على حب الله ورسوله.. وأشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمدًا رسول الله. أخذت الأم تصرخ.. فاطمة.. فاطمة.. يا طبيبة؛ أدركيني.. ما بها؟ .... الطبيبة: لا حول ولا قوة إلا بالله على قضاء الله وقدره.. اصبري واحتسبي.. لقد فارقت الحياة.. في الصباح تقبل الأهل والأقارب التعازي في فقد عروسهم.. ودعوها بقلوب حزينة.. راضين بقضاء الله وقدره. أما أنا فعندما وصلني نبأ وفاتها.. سَرَتْ رعشة في جسدي.. خوف رهيب.. أخذت أردد في ذهول.. غرفتها.. إنها هي.. لطالما حدثتني بذلك.. لقد كانت دائمًا تنصحني بوجوب الاستعداد للرحيل.. إنها هي كاتبة الرسالة.. نعم هي.. إي والله.. أفقت من غفلتي .. أخذت أبكي بحرقة على من كانت لي الأخت المشفقة الناصحة.. بكيت على من وقفت معي دائمًا في جميع أموري.. كانت مقربة إلى نفسي.. وفي أثناء ذلك وقع بصري على الشريط الذي أهدته لي أول السنة.. وكان بعنوان ( كيف نستقبل عامًا جديدًا؟) يا لله.. من يصدق؟! عام كامل انقضى والأماني تراودني.. وأنا لم أستمع للشريط.. انشغلت بالتوافه من الأمور.. لقد أسرفت على نفسي كثيراً. قلت لنفسي: كيف ستستقبل هي أول أيام الآخرة؟! ماذا لو كنت أنا مكانها وأنا في غفلة وفي لهو؟! رحمك الله يا فاطمة.. لطالما رددت على مسامعي: استعدي ليوم الرحيل.. وها أنت ذا قد سرت في قوافل الراحلين. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~