ابن الجيل الثالث حفيد المنكوبين

[أسماءعيد]

برجاء عدم نقله من المنتدى الاسلامى المقال يخص الجيل الاول والجيل الثانى والجيل الثالث



بسم الله الرحمن الرحيم

هكذا تحسُّ، أنت ابن الجيل الثالث، حفيد المنكوب، ابن المنكوب، أنت المنكوب، أنَّ النكبة ما هي بحادثة تهجير واقتلاع وهدم، بل هي جرثومةٌ أصابت الجدَّ وانتقلت بالوراثةِ إليك. أنت مريضٌ بها وهي مريضةٌ بك وباللذين مثلك حين تلتصق بك وتأبى الخروج من تفاصيل يومك: كأن يجلسَ جنديٌّ بقربك على المقعد في الحافلة، ويتلامس معصمكما بالخطأ، معصمٌ شُدَّ عليه قماشٌ كاكي وآخر لُفَّت عليه ألوان علمك الوطني. كأن يفاجئُك صديقٌ بوقوفه عن المقعد الجامعي ساعة انطلاق صفّارة ذكرى قتلى جيش "الدفاع" الإسرائيلي. وكأن تحاولَ جاهدًا، دون أن تفلح، إقناع جنديٍّ عربيٍّ أنه على خطأ، ذاك الذي يحمل الجرثومة النكبة فلا يمرض بها أو يتألّم منها. هؤلاء؛ حاملوها، كأن ترى بريق ألعاب الاستقلال الإسرائيلي النارية يلمع في عيونهم. وأنت تقف من خلفهم مشدوه الحواس وتكاد تقول إن ما شاهده جدُّك المنكوب كان أخف على القلب والعين، وأنَّ المرض يزداد شدةً مع الوقت، أما أنت، فتزداد "انتكابًا".. عندما تشعر بأنّ الجرثومة قد تفشّت في كامل الجسد؛ كأن يعجز لسانك عن ترجمة كلمة من العبرية إلى العربية، أو كأن تضطرَ يدُك لمصافحة صهيوني، أو قدمك لدَوسِ التلفزيون الإسرائيلي للعمل. ولكنك، تغسل ما اتّسخ من جلدك وقلبك عندما تقفُ للمرةِ الأولى، وأنت في الثانية والعشرين، احترامًا للنشيد الوطني الفلسطيني، ومن ثم تعود لتتّسخ ثانيةً عندما تتذكر أنّك لم تحفظ منه غير البيتين الأولين. وتقتلك المفارقة في كل شيء، تلك التي ولدتها النكبةُ دون مخاضٍ، كالتناقض في حجر البنايات القديمة التي "زيّنها" علم الدولة، ذاك الذي جعلتك ألوانه تكره الأزرق كلّما جاء مع الأبيض، والأبيض كلّما جاء مع الأزرق، حتى في ملابسك الداخلية. بينما كان هذا العلم يرفرف بين يدي أبيك ومُجايليه المنكوبين من أبناء المنكوبين، عند اضطرارهم "الاحتفال" في استقلال الدولة في المدرسة.

ما من يومٍ يمرَُ بجانبك لا يحمل لك مثل هذه الوخزات الصغيرة التي تحدث دون تكليف أو انتظارٍ لـ"صدفة". تمر الأيامُ بجانبك هكذا، وأنت تتفرّج من بعيد، دون أن تعرضَ عليك الركوب لتنقلك إلى مكان أفضل. ولكنك، تراوحُ مكانكَ وتدرك أنّك لست حفيد النكبة، بل ابنها من لحمٍ ودم، فلن تنتظرهم ليقتلعوك من قريتك، ها أنت تعيش في مدينة أخرى برضاك، ولن تنتظرهم ليهدموا بيتَك، فها أنت تعيش في شقةٍ مأجورة بسرور، حتى تفهم معنى النكبة ومخلفاتها. أنت لست بحاجةٍ، أيضًا، لتكون ابن لاجئٍ أو حفيده، أو أن تتفاخر بذلك كما يفعل كثيرون ممن يعتقدون أنّ الندبة حلّت عليهم وحدهم، لتشعر بثقل وزنها ووطأة أقدامها الصلبة على ظهرك الذي ما زال طريّـًا.