|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العرب والعولمة
العرب والعولمة
إنَّ أزمة الهويَّة العربيَّة؛ المجتمعيَّة والثَّقافيَّة، لا تكمن في محاولات اختراقها من الخارج، بقدر ما تكمن بالذَّات لدى حماتها والمدافعين عنها من النُّخب وأصحاب المشاريع الأيديولوجيَّة، العاجزين عن ممارسة الاختراق والتَّوسُّع، عبر خلق الحقائق وإنتاج الوقائع. علي حرب تلعب اللغة دوراً كبيراً في الفرق الدَّلالي للعبارات المستخدمة من حيث التَّقديم والتَّأخير، ولذلك كان ثمَّة مشكلة في دقَّة التَّعبير عن مرادنا في هذا الفصل من حيث العنوان؛ هل نجعله: العرب والعولمة، أو نجعله: العولمة والعرب، فمن البداهة بمكان أنَّ العنوان الأوَّل يفترض أنَّنا سنتحدَّث في موقف العرب من العولمة، واستعدادهم لها، وتعاملهم معها ... وبالقول المختصر يعني أنَّنا سنبحث في الفعل بوصفه متَّجهاً من العرب إلى العولمة. أمَّا العنوان الثَّاني: العولمة والعرب، فإنَّه يفترض أنَّ الكلام سيدور في فلك فعل العولمة في العرب، وهذا ما شكَّل محور كلِّ سابق كلامنا، ولكن بصورة غير مباشرة. وإذا ما انتقلنا إلى العنوان الأوَّل لكان بإمكاننا فوراً استنتاج وجوب انطلاق الفعل العربي من طبيعة الفعل العولمي. وهنا نجدنا نعود إلى السُّؤال المزدوج الأهمِّ الذي بدأنا به توطئة الكتاب وهو: ماذا تريد العولمة منا، وماذا نريد نحن من العولمة ؟ إنَّ ما تريده العولمة منَّا، وقد تبسَّطنا في ذلك كثير، وفي أكثر من موقع من هذا الكتاب، لا يختلف أبداً عمَّا يريده الأقوياء من الضعفاء، عمَّا يريده الخصوم من خصومهم، عمَّا يريده من يذود عن مكانته ضدَّ أيِّ محاولة أو تفكير بزعزعتها ... ولعلَّنا لا نفتئتُ على الحقِّ إذا قلنا: عمَّا يريده العدوُّ من عدُّوه !! أولسنا نبالغ إذا عددنا الغرب عدوًّا لنا ؟ ليس في ذلك أي مبالغة أو تطرُّف، فليس يشترط للعداوة احتلال أرضٍ أو انتهاك عرضٍ أو نهب خيرات ... وكل ذلك متحقق في علاقتنا مع الغرب، وإنَّما الأصل في هذه العداوة هو العلاقة بين الأمم القائمة على مبدأ الصِّراع لا من أجل البقاء المحض، وإنَّما من أجل البقاء على القمَّة أو من أجل الوصول إليها. وهذا الصِّراع حتميٌّ ولا مفرَّ منه، وكلُّ من يقول بعكس ذلك أو يعتقد به فهو مخطئ. وهي مسألة شبه مسلَّمة، أي إنَّ برهانها فيها، ويضاف إلى ذلك أنَّ تاريخ البشريَّة كلُّه يؤكِّد هذه الحقيقة، بل إنَّنا إذا غضضنا الطَّرف عن كلِّ ما مضى فإنَّ الواقع الرَّاهن وحده كفيل بدفعنا للتَّسليم بهذه الحقيقة، وهذه الحقيقة هي المقولة الرَّئيسة التي دارت حول محورها فصول هذا الكتاب. ولذلك نجدنا ننظر بعين الرَّأفة والشفقة لحال لجنة إدارة شؤون المجتمع العالمي عندما تصرخ بأعلى صوتها قائلةً: "ليس هناك بديلٌ للعمل معاً واستخدام القدرة الجماعيَّة لخلق عالمٍ أَفضل"(1) . فهذه نظرة مفعمة بالإنسانيَّة الفائقة لحدود الإنسانيَّة، إنَّها إنسانيَّة أكثر من إنسانيَّة ... بل إنَّها إنسانيَّة ملائكيَّة، لا ترى من الإنسان إلاَّ وجهه الملائكي الأمثل المجاوز في رقَّته وشفافيَّته. والحقُّ أنَّنا إذ نقول ذلك فإنَّنا لا نعني أبداً أنَّنا ضدَّ التَّعاون الإنساني، ولا ضدَّ تشارك الأمم والشعوب وتكاملها، ولكنَّ هذا الطُّموح الذي كحَّل عيون الفلاسفة متعذَّرٌ من النَّاحية الواقعيَّة، إنَّه محض أمنية. أمَّا التَّكامل الواقعي والموجود، والذي يكثر وروده في كتابات المفكرين، فهو من نوع آخر، ويتشعب في حقيقته إلى نوعين؛ تكامل تراكمي عمودي وتكامل أخطبوطي أفقي. أمَّا التَّكامل التَّراكمي العمودي فهو تكامل الحضارات المتعاقبة ورفدها بعضها بعضاً بفعل التَّلاقح الحتمي للحضارات والشُّعوب، كما حدث في وراثة اليونان لحضارات الشَّرق القديم، ووراثة الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة للحضارة اليونانيَّة والحضارات السَّابقة، ووراثة الحضارة الأوروبيَّة للحضارة العربيَّة الإسلاميَّة ... وأمَّا التَّكامل الأفقي فهو التَّكامل المتزامن بين الأمم والشعوب، وهو إمَّا أن يكون تكاملاً قسرياً يفرض القوي فيه إيقاعه وحاجاته على الضَّعيف من أجل أن يتكامل بنيانه ويزداد منعة كما هو الحال بين الغرب والشَّرق أو بين الشَّمال والجنوب، وبهذا المعنى "يقرع توفلر الجرس لكي يحذِّرَ هؤلاء الَّذين يقفون في وجه الموجة الثَّالثة موجة العولمة) بأَنَّ دوَّامة التَّغيُّر سوف تجرفهم، وأَنَّ هؤلاء الَّذين لم يركبوا الموجة سوف يظلُّون متخلِّفين في مزبلة التَّاريخ"(2) . أو أنَّه تكامل بين حضارتين قويتين متزامنتين، وهنا تلعب المصالح والقوَّة الدَّور الحاسم في تحديد طبيعة هذا التَّكامل كما هو الأمر بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان مثلاً، وبهذا المعنى " يجادل أُوماي في أَنَّ العولمة ليست فقط من أَجل تعاون أَكبر، ولكنَّ أَيَّ شركة ذات سوقٍ محليَّةٍ قويَّةٍ وتصديرٍ قويٍّ يمكن أَن تتابع عمليَّة العولمة"(3) . إنَّ الموقع العربيَّ من العـولمة، أي من الدُّول المتقدِّمة، موقع مأساويٌّ، ولكنَّه، على ضوء ما سبق وأسلفنا، موقعٌ طبـيعيٌّ في إطار راهنيَّته التَّاريخيَّة. ولذلك نحن لا نعتب على الغرب في اختراقاته وانتـهاكاته حقوقنا وخصوصيَّاتنا، ولكنَّنا نعتب على أنفسنا المتقاعسة، المتهالكة في فتح الثَّـغرات أمام الغرب ليقوم هو باختراق غيرها، ولتتسع من ثمَّ جـراحنا أكثر وتتكثر. وبهذا المعنى يمكنني أن أفهم قول علي حرب: "إنَّ أزمـة الهويَّة العربيَّة؛ المجتمعيَّة والثَّقافيَّة، لا تكمن في محاولات اختراقها من الخارج، بقدر ما تكمن بالذَّات لدى حماتـها والمدافعين عنها من النُّخب وأصحاب المشاريع الأيديولوجيَّة، العاجزين عن ممارسة الاختراق والتَّوسُّع، عبر خلق الحقائق وإنتاج الوقائع"(4) . ولكنَّنا نأخذ عليه رقَّته ولطـفه في التَّعامل مع هؤلاء الذي أعملوا معاول الهدم والتَّخريب في البنى العربيَّة جميعها: الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والفكريَّة ... عن قصد وعن غير قصد. سحابة نصف قرن قد انقضت على الاستقلالات العربيَّة ونخبنا الفكريَّة وقياداتنا السِّياسيَّة تتقاذف انتماءاتنا وولاآتنا ما بين الاشتراكيَّة والرَّأسماليَّة من دون أي تفكير بخصوصيَّة حضارتنا وأمَّتنا وشعبنا، ولذلك سارت كلُّ الشُّعوب والأمم إلى الأمام وسرنا القهقرى؛ من كان يسبقنا بعام صار يسبقنا بعشرات الأعوام، بل كلُّ من كان وراءنا صار أمامنا... لقد خذلتنا نخبنا الفكريَّة والسِّياسية وخانتنا، لقد خانت أنفسها بالدَّرجة الأولى وانعكس ذلك على الأمَّة كلِّ الأمَّة، من خلال الانتماءات الرَّعناء والعمياء البعيدة كلَّ البعد عن روح الحضارة العربيَّة وخصوصيَّتها، ومن دون أخذ ذلك بعين النَّظر والحسبان. فأين الفعل العربي، وماذا يمكن أن يكون ؟!! ومن ثمَّ: هل نقف مع العولمة، أم نقف ضدَّها ؟ إنَّ التَّخيير في معرض الإلزام أمرٌ غير واردٍ ولا معقـول، لانطوائه في الأصـل تحت عباءة المفـارقة المنطقيَّة التي تحيل المختار إلى محرج. ذلك أنَّنا، بغضِّ النَّظر عمَّا سـيأتي، ملزمون بالوقوف مع العولمة على الرُّغم من تهـديدها كياننا ووجودنا ! ونحن كذلك ملزمون بالوقـوف ضدَّ العولمة على الرُّغم من ضرورة اندماجنا في خضـمِّها ! فكيف يكون ذلك ولماذا ؟ ليست العولمة سيادة دولة أو شركة أو حزب أو جماعة ... حتَّى نقف معها أو ضدَّها، أمامها أو وراءها. إنَّها السَّيرورة الطَّبيعيَّة للتطور التاريخي؛ العلمي والتِّقاني والاقتصادي ... وبالتَّالي فإنَّ الوقوف معها أو ضدَّها هو وقوف مع أو ضدَّ لا شيء وكل شيء بآن معاً، والماشي وراء العولمة أو أمامها هو ماشٍ أمام أو وراء لا شيء، لأنَّ العولمة ليست قراراً أو موقفاً يتيح لنا أن نعلن منه موقفاً أو نتَّخذ ضدَّه قراراً . فماذا نفعل إذن ؟ إنَّ الموقف لا يحتمل الصَّمت، وليس يجدي معه محض الكلام. إنَّنا أمام واقع تتحرك معطياته بوتائر متسارعة، ولا يمكن التَّعامل مع الوقائع إلا بوقائع مماثلة من الطِّينة أو المادَّة ذاتها. ولذلك يجب أن نسعى بمختلف الأطر والإمكانات والاتِّجاهات والوتائر من أجل موازاة المرحلة التَّاريخيَّة الرَّاهنة؛ مرحلة العولمة، والتَّعامل معها تعاملاً ندِّيـًّا يمكننا من الحـفاظ على ذاتنا إن كان يهمنا أن تكون ذاتنا هي ذاتنا، ولم أعلم قطُّ أنَّ ذاتاً، على مدى ما امتدَّ التَّاريخ البشري، رفضت أن تكون هي هيَ. إذن فإنَّ المهمَّة الأولى الملقاة على عاتقنا الآن هي الحفاظ على ذاتنا؛ الحفاظ عليها لا الانغلاق عليها كما سيفهم الكثيرون انطلاقاً من رؤاهم الموتورة. والحفاظ على الذَّات يتطلَّب معرفتها وفهمها. وعندما نعرف ذاتنا ونفهمها سنجدنا مرغمين على احترامها وإنصافها وتقديرها حق قدرها لأنَّ أمَّتنا كريمة عزيزة عظيمة معطاءة خلاَّقة، لا تستحق الضَّعف ولا الذل ولا الهوان. وعلى الرُّغم من البون الشَّاسع الذي يفصلنا عن الدُّول المتقدِّمة، وعلى الرُّغم من الجهود المضنية التي يجب أن نبذلها من أجل مجاراة الأمم المتقدمة في تقدمها وتطورها ومن أجل وضع أمَّتنا في موقع العزَّة والمنعة والكرامة الذي تستحقه، وعلى الرُّغم من اليأس الذي تسرب إلى كثير من النفوس بسبب هذا البون حتى ظنَّت ألاَّ مجال للحاق بركب الحضارة كما يرى الدكتور أحمد مستجير إذ يقول: "إن عصر التَّأليف قد انتهى في العالم العربي، وعلينا أن ننقل فقط خبراتهم أولاً بأول وبأمانة ودقَّة، أمَّا عكس ذلك فهو مضيعة للوقت"(5) ... فإنَّ الفرصة مازالت قائمة، بل لا يمكن إلاَّ أن تظلَّ قائمة، ولا يجوز أن نقبل بغير ذلك. وإذا كان ميشيل كلوغ يرى "أنَّ الفائزين من هذه العولمة سيكونون هم على وجه التَّحديد البلاد أو القوى الاجتماعيَّة أو السياسيَّة التي ستعرف كيف تنمي العلاقات بين القطاعات المختلفة وتجني العائد من وراء ذلك"(6) . فإنَّنا نرى أنَّ أمام العرب الكثير من الفرص والإمكانات المتاحة من أجل النهوض... بل حتَّى وإن انعدمت الإمكانات، وغابت الفرص، واضمحلت القدرات لوجب علينا أن ننحت الفرص ولو من الصخر بأظافرنا، وأن ننهض القدرات ولو من عدم، وأن نزرع الإمكانات ولو في الهواء ... فالتَّاريخ "الذي لا يعيد نفسه إلا على الأغبياء" لا ينسى، ولا يماري، ولا يرحم أحداً. فهل سنستطيع معرفة ذاتنا وإمكاناتنا ؟ وهل سنعرف كيف نسخر إمكاناتنا من أجل ذاتنا ؟ أقسم الكثيرون بالله أنَّ ذلك أمر يسـير ولا يحتاج إلا إلى بعض البداهة. وشدَّ الكثيرون أشعار رؤوسـهم غيظاً من عدم امتلاك بعض البداهة هذا... نحن لا ننكر وجود الصُّعوبات ولا العقبات ولا التَّحديات ولا التَّهديدات ... ولكن ماذا فعلنا في واجهة ذلك ؟!! إنَّ الحلول كثيرة تملأ صفحات آلاف الكتب المنشـورة المشهورة، وقد كنَّا عزمنا على اقتراح بعض الحلول، وقسَّـمناها تبعاً للميادين ما بين علميَّة واقتصاديَّة وثقافيَّة وسياسيَّة وتربويَّة وعسكريَّة واجتماعيَّة ... ولكنَّا وجدنا أضعاف ما نريد قوله موجوداً لدى الكثيرين ومنذ كثير من السنين وكلُّه معروف ومشهور. فيا ليت يا ليت نبدأ بداية حقَّة. ويا ليت يا ليت نترفَّع عن التُّرهات والسَّفاسف. ويا ليت يا ليت نضع مصالحنا نصب أعيننا قبل مصالح الغير. ويا ليت يا ليت نفكِّر في مكاسب المستقبل ولا نتوقف عند خسائر الحاضر. ويا ليت يا ليت يا ليت ... نكون عرباً حقًّا يعرفون معنى انتمائهم. * * * (1) ـ لجنة "إدارة شؤون المجتمع الدُّولي": جيران في عالم واحد ـ ص 22. (2) ـ عبد الحكيم محمد بدران: عرض لكتاب: بناء حضارة جديدة ـ ص 199. (3) - Carol Kennedy: Managing with the Gurus. P. 251. (4) ـ علي حرب: صدمة العولمة في خطاب النَّخبة ـ م.س. (5) ـ من حوار مع: د. أحمد مستجير، ضمن مجلة: الواحة "ملحق صحيفة الاتحاد الظبيانية" ـ العدد 180 ـ20 آب 1998م ـ ص 6.. (6) ـ ميشيل كلوغ: أربع أطروحات ... ـ ص 57. |
12/2/2009, 06:16 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | |||
Banned
|
رد: العرب والعولمة
بارك الله فيك
|
|||
20/2/2009, 08:41 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
استاذ فضائيات
|
رد: العرب والعولمة
|
||||
10/3/2009, 04:02 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
نـجـم الـنجوم الـمـميز بـالـمهندسين الـعرب
|
رد: العرب والعولمة
|
||||
5/7/2011, 07:21 AM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
مـهـند س مـمـيـز
|
رد: العرب والعولمة
|
||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~