نهضة التمويل الاسلامي .. التجربة الماليزية أنموذجا

[محمود ابواحمد]

نهضة التمويل الاسلامي .. التجربة الماليزية أنموذجا

مر العالم خلال السنوات القليلة الماضية بهزات اقتصادية قوية، انهار فيه اقتصاد دول وميزانيات، وأفلست فيه مئات البنوك والمؤسسات، وأغلقت شركات، وسرّح ألوف من الموظفين والموظفات.

لقد عرف هذا الزلزال باسم الأزمة المالية العالمية، والتي كانت بمثابة الطوفان الذي أصاب قطاعات اقتصادية كبيرة بأضرار كارثية، كان أقلها تضررا تلك المؤسسات المالية الإسلامية الناشئة حديثا والتي صمدت أمام انهيار أعتى مؤسسات المال والأعمال العالمية.



الحمد لله القائل (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد)، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.



وبعد: فإن الأيام لا تزيد المراقب للتحركات الاقتصادية العالمية، والسياسات المالية والمصرفية، إلا يقينا بعظيم حكمة الله سبحانه، وجمال هذه الشريعة وكمالها، وتميز التشريعات المالية في الإسلام على غيرها من الأنظمة الوضعية، تميزا يشهد بوحدانية الله وعظمته، وصحة دينه الذي أوحى به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليكون شرعة ومنهاجا هاديا للتي هي أقوم.

لقد مر العالم خلال السنوات القليلة الماضية بهزات اقتصادية قوية، انهار فيه اقتصاد دول وميزانيات، وأفلست فيه مئات البنوك والمؤسسات، وأغلقت شركات، وسرّح ألوف من الموظفين والموظفات.

لقد عرف هذا الزلزال باسم الأزمة المالية العالمية، والتي كانت بمثابة الطوفان الذي أصاب قطاعات اقتصادية كبيرة بأضرار كارثية، كان أقلها تضررا تلك المؤسسات المالية الإسلامية الناشئة حديثا والتي صمدت أمام انهيار أعتى مؤسسات المال والأعمال العالمية.

لقد استفاق الاقتصاد العالمي من صدمته إلى صدمة أخرى حيث وجد تلك البنوك الإسلامية الفتيّة، والمشاريع الاستثمارية المتوافقة في تمويلاتها مع الشريعة الإسلامية، وجدها ثابتة لم تتأثر بشيء يذكر في وجه ذلك الاعصار الرهيب.

إن هذه المفاجأة التي لم تخطر على بال كبرى المؤسسات المالية والاستثمارية العالمية فتحت أعينهم وعقولهم على التفكير في سر القوة الكامنة في النظام المالي الإسلامي.

ولم تتأخر تلك الدول والمؤسسات، فأرسلت خبراءها، وراسلت المرجعيات الكبرى في التمويل الإسلامي، وأقامت المؤتمرات والندوات والدراسات، كل ذلك في سبيل الوقوف على حقيقة النظام المالي والمصرفي الإسلامي، واستكشاف أسرار نجاحه، واستجلاء معالمه وأسسه ومفرداته.

لقد أدى ذلك كله إلى إقبال منقطع النظير على المعاملات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وأصبح خبراء المال والأعمال يبشرون بأن المعاملات المالية الإسلامية ستبلغ قيمة اسثماراتها أرقاما كانت ضربا من الخيال وشيئا من المحال.

إن الدراسات العالمية تشير إلى أن قيمة الاستثمارات القائمة على الاقتصاد الإسلامي ستبلغ ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2016م، وهذا ما لفت أنظار المستثمرين ورجال المال والأعمال إلى التمويل الإسلامي كمنافس أثبت نجاحا وكفاءة في وجه الأزمات المالية، لاعتماده على اقتصاد حقيقي وأخلاقي، وهذا مادفع عملاء البنوك والمستثمرين من غير المسلمين إلى نقل حساباتهم واستثماراتهم وإيداع أموالهم في البنوك الإسلامية، حتى أصبح ما يزيد على النصف من عملاء البنوك الإسلامية في العالم هم من غير المسلمين، بناء على الإحصائيات التي تشير إلى أن نسبة المتعاملين في البنوك الإسلامية من غير المسلمين يبلغ 55%.

وهذا يشكل حافزا لنا نحن المسلمين عموما ، والعرب خصوصا للقيامة بواجبنا الشرعي في عمارة الأرض بما يوافق شريعة الله، وبذل الخير والمعروف من خلال الترويج للطيب الحلال من وسائل استثمار الأموال، وإقامة المشاريع الاستثمارية والتنموية القائمة على التمويلات الإسلامية.

إن هذا التحدي العظيم الذي يقف أمام الدول العربية والإسلامية، يدعونا إلى أن نحظى باقتناص هذه الفرصة في تقديم ديننا ومبادئنا للعالم بأسره من خلال منتجات وبرامج تمويلية إسلامية أثبتت كفاءتها في وجه المخاطر والأزمات المالية العالمية.

ولن يتحقق هذا إلا بوجود الإرادة الصادقة لدى الحكومات، وكبرى المؤسسات المالية وقطاعات المال والأعمال، تلك الإرادة التي تدفعهم إلى المسارعة للاستفادة من تجارب الدول التي حققت نجاحات رائدة في هذا المجال مثل ماليزيا، والتي تعد عاصمة المصرفية الإسلامية في العالم.

وإذا أردنا أن نلقي شيئا من الضوء على تجربة ماليزيا في التمويل الإسلامي وأسباب ريادتها في هذا المجال، فلا بد أن نعترف بأن القفزة التي عرفتها صناعة الصيرفة الإسلامية بماليزيا ترجع إلى وجود الإرادة السياسية على أعلى المستويات، إضافة إلى القناعة التامة لدى الحكومة الماليزية بجدوى وأهمية هذا المجال الاقتصادي، وسن التشريعات التي تتوافق مع قواعد التمويل الإسلامي مما أدى إلى تفوق ماليزيا وريادتها في هذا المجال.

وهنا لايفوتني أن أشير إلى ما قاله أستاذي الدكتور يونس صوالحي، وهو أحد أعلام المصرفية الإسلامية في ماليزيا، حيث يقول في لقاء مع موقع الجزيرة نت: إن صناعة الصيرفة الإسلامية في ماليزيا تقوم على ثلاثة ركائز أساسية، وهي البنوك الإسلامية وشركات التكافل الإسلامي، ووجود سوق للأوراق المالية الإسلامية.

ويضيف بأن من أهم العوامل التي ساهمت في إنجاح صناعة الصيرفة الإسلامية، وجود الإطار القانوني الذي يضبط هذه الصناعة، حيث قام البنك المركزي الماليزي بوضع الإطار القانوني الذي يسمح لها بالنشاط، فضلا عن تعزيز المحاكم المدنية بقضاة مختصين للفصل في قضايا المالية الإسلامية، مضيفا أن أول قانون وضعته الحكومة يعود لسنة 1983، ثم تبعه قانون شركات التأمين الإسلامي سنة 1984، ثم تعديل القانون التجاري وكل ما تعلق بالعقود والملكية، وجعلها مطابقة للشريعة الإسلامية، فضلا عن تعزيز النصوص التطبيقية، وجعل الممارسات متناغمة مع الشريعة الإسلامية، وخاصة من خلال هيئة شرعية تابعة للبنك المركزي، دورها مراقبة مدى مطابقة العمليات لقواعد الشريعة.

حوار مع الشيخ:خليل أحمد، الباحث المتخصص في ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ التابعة للبنك المركزي الماليزي عن أسباب نجاح سوق رأس المال الإسلامي في ماليزيا، أرجع نجاح التجربة الماليزية إلى نقاط أساسية:

أولها : وجود إطار قانوني تنظيمي يعد الأكثر تقدما وشمولية في منهجه .
ثانيا: نسبة كبيرة من الأسهم المدرجة في البورصة (تقريبا 86%) أسهم متوافقة مع الشريعة.
ثالثا: وجود أكبر إصدارات حكومية وخاصة للصكوك .
رابعا: وجود مؤشرين للأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
الأول : FTSE Bursa Malaysia EMAS Shari'ah Index
والثاني : FTSE Bursa Malaysia Hijrah Index

خامسا: وجود سوق للنقد بين البنوك الإسلامية (IIMM) يتميز بسيولة عالية ويعتمد في أغلب تعاملاته على المرابحة، ومن أهم المنتجات المتداولة في هذا السوق: أ- سندات الخزينة الإسلامية ب- مرابحات السلع ج- الاستثمار بين المصارف على أساس المضاربة د- صكوك البنك المركزي الماليزي.

سادسا: وجود هيئة شرعية تتبع البنك المركزي الماليزي وتتمثل مهمتها في في التأكد من موافقة الصكوك والأسهم المصدرة للشريعة وإصدار الفتوى الشرعية.

سابعا: الحوافز والإعفاءات الضريبية المتعلقة بالاستثمار في سوق رأس المال.

وكانت نتيجة هذه التشريعات أن بلغ عدد الشركات المدرجة في البورصة والمتوافقة مع الشريعة 847 شركة من
من إجمالي 957 شركة، أي ما نسبته 89% من إجمالي الشركات المدرجة، وأما بالنسبة لحجم التعامل في سوق النقد ما بين البنوك فيبلغ حوالي المليار رنجت يوميا بحسب إحصائيات موقع التداول والبنك المركزي الماليزي.

وإذا حاولنا المقارنة بين ما وصلت إليه برامج التمويل والصيرفة الإسلامية في ماليزيا وما وصلت إليه الدول العربية فلا يخفى على المتخصصين أن العمل المؤسسي في ماليزيا هو سر النجاح الحقيقي الذي يقابله مبادرات فردية من بعض رجال الأعمال والشركات والمؤسسات المالية في الدول العربية، إضافة إلى ذلك قامت ماليزيا بتأهيل الخبراء والفقهاء الماليين والكوادر المدربين في معاهد وكليات متخصصة بتدريس الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وفقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، وهذا ما نفتقده في الكثير من الدول العربية حيث نعاني النقص في الكوادر المتخصصة والمؤهلة لإدارة دفة قطاع الصيرفة الاسلامية.

إن هذه باختصار لهي أهم الأسباب التي جعلت من ماليزيا قبلة للباحثين والخبراء والاقتصاديين الراغبين في التعرف على النموذج الإسلامي للمعاملات المالية، وهي تشكل أنموذجا يحتذى لمن أراد الاستفادة من هذه التجربة ، بل والبناء عليها، فالتجربة بالرغم من نجاحاتها إلا أنها لازالت بِكرا فتية تحتاج إلى الكثير من التصحيح والتقويم والبناء على ما تم تحقيقه. وتطويره وصولا إلى منتجات مالية منافسة تمتاز بالتطور والأمان من المخاطر، إضافة إلى التوافق الحقيقي مع الشريعة الإسلامية ، والقواعد الأخلاقية للتمويل الإسلامي، وبعيدة عن الحيَل الربوية، واستنساخ منتجات البنوك التقليدية ، فالساحة تفتقد إلى الخبراء المؤهلين تأهيلا يجمع بين التأهيل الديني الشرعي في فقه المعاملات وأصول الاستنباط وتنزيل النصوص على النوازل، والتأهيل المهني والإلمام بعلم التمويل والمصرفية.

ولا أنسى أن أشير إلى حقيقة بديعة بدأت تظهر للعيان من خلال مشاهداتي لواقع المصرفية الإسلامية ومعاهدها في ماليزيا، حيث تلقى المعاهد والكليات إقبالا كبيرا من الطلبة غير المسلمين، وتلقى المؤتمرات والدورات والمحاضرات إقبالا ملفتا للنظر من أناس لا يعرفون الإسلام، ودينهم المادة، ووجدوا في الإسلام نظاما يحفظ الأموال والحقوق ويستثمرها استثمارا حقيقيا أخلاقيا، فتراهم يسألون عن الإسلام، ويطلبون نسخا من القرآن، ويخرجون من تلك المؤتمرات بقناعة بأن هذا النظام المالي العظيم، يستند إلى دين عظيم، لقد باتت المصرفية الإسلامية وسيلة جديدة من وسائل الدعوة والهداية لهذا الدين القويم، والله الموفق.

[helmy40]

[محمود ابواحمد]

شاكر لمروركم