|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الترسل في الأدب العربي
الترسل في الأدب العربي
كان العرب يستعملون فعل (تَرَسَّلَ) استعمالاً عاماً في كلامهم بمعنى: تَمَهَّل وتأنى وترفّق واسترخى، ومصدره (تَرَسُّل)، غير أن أول إشارة صريحة إلى المعنى الاصطلاحي وردت في كتاب «البرهان في وجوه البيان» لابن وهب الكاتب (من القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد) إذ يقول: «أنا (مُتَرَسِّل) ولا يقال ذلك إلا فيمن تكرَّر فعله في الرسائل، ويقال لمن فعل ذلك مرة واحدة: (مُرسِل)، والاسم (الرِّسَالَة)». ومعنى (الَّترَسُّل) إذن هو الإكثار من كتابة الرسائل، ولذلك كانت كلمة (مُتَرَسِّل) تُطلّق أكثر ما تطلق على كُتَّاب دواوين الرسائل المتفرغين فيها لكتابة رسائل الخلفاء أو الولاة، والحقيقة أن هذا الفن ازدهر بعد الإسلام ازدهاراً عظيماً على يد هؤلاء الكُتَّاب. وكان المؤلِّفون في القرن الثالث للهجرة يستعملون كلمات (تَرَسَّلَ، والتَّرَسُّل، والمترسِّل) استعمالاً عملياً بالدلالة الاصطلاحية التي رأيناها آنفاً. وقد خلط بعض القدماء والمحدثين مفهوم الترسل الاصطلاحي الخاص الذي رأيناه بمفهوم النثر الأدبي أو الكتابة عموماً، كقول طه حسين: «وربما كان عبد الحميد الأستاذ المباشر للكُتّاب (المترسِّلين) وبنوع خاص الجاحظ». وهناك مصطلحات رديفة للترسل استعملت عند بعض مؤرخي الأدب القدماء، منها: الإنشاء والكتابة، والمراسلة أو المراسلات، والتراسُل، والترسيل، غير أن مصطلح الترسُّل كان الأكثر شيوعاً وشهرة. والمعلوم أن الرسالة، التي هي مضمون هذا النوع الأدبي، إنما هي هذا الكلام الذي يُرسِل به مُرسِل من بعيد، عبر وسيلة من الوسائل الناقلة لمضمونها كالرسول الذي يحملها مشافهة، أو يحملها في الورق مكتوبة. وقد مرَّت الرسالة عند العرب بمراحل أبرزها: الشكل الإشاري، ومن ذلك أن العرب في الجاهلية كان أحدهم ينذر قبيلته عن بعد بقدوم غزو نحوها بأن يخلع ثيابه جميعاً حتى يصبح عُرياناً، ثم يلوِّح بها لهم، ولذلك قالوا في أمثالهم: «أنا النذير العُريان». والشكل اللغوي، ويكون على مستويين: الأول شفوي، والثاني تدويني. والشكل الأهم في تاريخ الأدب العربي، هو الشكل اللغوي التدويني لأنه من أصح أشكال الترسل وأدقها وأوثقها. والترسل في الأدب العربي نوع مشترك بين وجهي الأدب (الشعر والنثر)، وللرسالة الشعرية تسميات لا تكاد تطلق إلا عليها (كالرسالة، والرسول، والمَأْلُكَة، والمألُك، والألُوْكة، والمُغَلْغَلَة، والآية، والمَخْصوصة، والمُلِظَّة)، وأكثر هذه التسميات صفات. وللرسالة النثرية أسماء أو صفات (كالرسالة، والكتاب، والخطاب، والمكتوب، والتحرير). وكان ما وصل من ترسل شعري من الجاهلية أوسع وأغزر وأدق تعبيراً عن تلك الحقبة من التاريخ مما وصل من ترسل نثري، لأن العصر الجاهلي كان الغالب فيه على العرب أنه عصر مشافهة وبداوة وقلق واضطراب وأمية طاغية على الناس، ولذلك كانت الغالبية المطلقة من رسائله النثرية، إن لم نقل كلها، شفوية لم يتوافر لحفظها ما توافر للرسائل الشعرية الشفوية من عوامل مساعدة على هذا الحفظ: من وزن وقافية، واهتمام عام، وحركة رواية ورواة، وكان الترسل الشعري في أغلبيته المطلقة ـ كما نعلم ـ شفوياً. والظاهر من الرصد والاطلاع أن أكثر الشعر الجاهلي كان موظفاً في خدمة الترسل الشعري خاصة، نظراً لسهولة تنقله وسيرورته في الآفاق بين البوادي العربية الشاسعة، ويكفي استعراض أي ديوان شعري جاهلي لإدراك هذه الحقيقة، فاعتذاريات النابغة (وتبلغ ستاً) وهي لُبُّ ديوانه، كانت رسائل شعرية، سوى رسائله الشعرية الأخرى في الديوان، ومن تلك الرسائل الست معلقته المشهورة نفسها، ومثل ذلك يقال في سائر المعلقات العشر فيما عدا معلقة عبيد بن الأبرص الأسدي. وتمييز الرسالة الشعرية أمره يسير جداً، لأنه يقوم على أدلة قاطعة ظاهرة للعيان، ومنها ما ورد في بيت من معلقة زهير بن أبي سُلمى مثلاً يقول فيه: ألا أَبْلغ الأحْلافَ عني رسالةً وذُبْيان هل أقْسَمْتُم كل مُقْسَمِ؟! ففي هذا البيت العناصر المنهجية التالية للرسالة الشعرية: 1ـ ذكر طلب الإبلاغ عن بعد 2ـ ذكر اسم المرسِل (زهير) متمثلاً في الضمير المتصل في قوله (عني). 3ـ ذكر اسم المرسَل إليه متمثلاً في (الأحلاف وذبيان) 4ـ ذكر اسم الرسالة صراحة 5ـ إيراد شيء من مطلع الرسالة ويلاحظ دوماً أن ما يسبق البيت، الكاشف عادة عن كون القصيدة رسالة شعرية، إنما هو مقدمة أو مقدمات ذات صلة وثيقة بموضوع الرسالة أو جوهرها. وهناك أيضاً إشارة في الجاهلية إلى الرسالة الشعرية المدونة في صحيفة، كرسالة لَقيط بن يعمر الإيادي: سَلامٌ في الصَّحيفَة من لقيطٍ إلى مَن بالجزيرة من إياد وهو يقدم هنا عنصرين منهجيين آخرين للرسالة الشعرية، هما: التحية أو السلام في بدء الخطاب، وتحديد المنزل الجغرافي أو العنوان الذي يعيش فيه المرسل إليه. وتعود البداية الفعلية القوية لتطور الترسُّل النثري المدَّون إلى حقبة حياة النبيe بعد الهجرة، حين اضطر إلى الكتابة إلى قواده العسكريين، والى ملوك الدول المحيطة بشبه جزيرة العرب، وإلى ملوك العرب وأمرائهم وسادتهم في خارج جزيرة العرب وداخلها، وإلى عماله من الصحابة منذ سنة 9هـ (عام الوفود). وكان إرسال الرسائل وتلقيها (أي نقلها) يحتاج إلى نظام عفوي من البريد، كان يتمثل آنذاك في نظام الرُّسُل الذي تطوّر في خلافة معاوية (41- 60هـ ) إلى ديوان للبريد منظم في إدارة خاصة، وله خطوط مواصلات ومحطات ومختصون يجيدون ركوب الخيل والإبل والبغال. وكان الخلفاء يطورون نظام البريد ويحسنونه باستمرار، لأهميته العظيمة والحساسة في إدارة الدولة فكان عبد الملك بن مروان (65- 86هـ ) يوصي حاجبه مثلاً بقوله: «والبريد، فمتى جاء من ليل أو نهار فلا تحجبه»، وكان زياد بن أبيه والي البصرة يقول لحاجبه: «فادخله عليَّ ولو كنتُ في لحافي». وقد احتاجت الرسائل منذ البداية إلى التوثيق وسرية المحتوى، ولذلك اقترح بعض الصحابة على النبيe اتخاذ الخاتم ليختم به المضمون في آخر الرسالة، فكان نقشه: (محمد رسول الله)، وصار الخلفاء بعده يتخذ كل منهم خاتماً آخرله نقش خاص به منذ ضياع خاتمه (e) زمن عثمان. واتخذوا لإغلاق الرسالة خاتماً تدمغ به الرصاصة أو الطينة التي تجمع طَرَفي خيط الرسالة الذي تُحْزم به للحؤول دون فض الرسالة والاطلاع على ما فيها أو إدخال أي تغيير أو تزوير فيها. ولما كثرت الرسائل، بعد النبيe، احتاج الخلفاء إلى اتخاذ الكُتَّاب ليكتبوا لهم أو عنهم ما يريدون، فكانوا النواة التي تأسس عليها ديوان الرسائل في زمن معاوية. وقد عُني الكُتَّاب، عبر العصور، بتأليف الكتب في ثقافة الكاتب المترسل خاصة لتوجيهه إلى ما ينفعه ويخدمه من معارف وعلوم وأدوات، حتى يتقن صناعته ويبدع في أساليبها. ولعل رسالة عبد الحميد الكاتب (ت 132هـ) إلى الكُتَّاب أصل كل ما أُلَّف في هذا المجال، ومن ذلك كتاب «أدب الكاتب» لابن قتيبة (ت 276هـ). ولعل أشهر ما أُلَّف في ثقافة الكاتب على الإطلاق موسوعة القلقشندي (ت 821هـ) «صبح الأعشى في صناعة الإنشا». وقد ارتقى فن كتابة الرسائل على نحو سريع، حتى باتت الرسائل الترسلية تنافس القصائد الشعرية في تفنّن تناولها للموضوعات المختلفة، بل باتت تلك الرسائل ملهمة للشعراء في أبواب القول، وصارت معرضاً حقيقياً للقدرات الفنية والبلاغية والبيانية العالية عند الخلفاء والولاة وكُتَّاب الدواوين وسائر شخصيات العصر كالزهاد والعلماء والمعارضين. وكانت الرسائل تعالج الموضوعات الرسمية في الرسائل الديوانية العامة الصادرة عن الخلفاء والولاة وقادة الجيوش، والمتعلقة بالشؤون السياسية، والحربية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والموضوعات الشخصية في الرسائل الخاصة الصادرة عن أبناء الرعية من الأفراد العاديين وكانت هذه الرسائل الرسمية والشخصية تسير على منهج معين كالرسائل الشعرية التي أبرزت عناصر منهجها آنفاً. وفيما يلي منهج الرسالة الذي وضعه النبيe في رسائله، وسار عليه الناس جميعاً من كُتّاب وغيرهم حتى أواخر العصر الأموي تقريباً: البسملة، واسم المرسِل واسم المرسَل إليه، والسلام الافتتاحي أو التحية، وتحميد الله تعالى وتوحيده، وذكر صيغة التخلُص أو فصل الخطاب (أما بعد)، ومضمون الرسالة، وصيغة السلام الختامي. ثم يثبت الكاتب، بعد الفراغ من كل ذلك، عدداً من المعلومات المعروفة بذيول الرسالة، ومهمتها التوثيق وهي: تاريخ كتابة الرسالة، وختمها، واسم محرِّرها. ويُلاحظ على هذا المنهج إمكان تطورُّه وتغيُّره في العصور الأدبية التالية بعد العصر الأموي، ليلائم طبيعة الخطاب وأساليبه المتجددة. يلاحظ أيضاً أن أسلوب الترسل النثري يكون مطابقاً لأسلوب النثر الأدبي في كل عصر من عصور التاريخ الأدبي، وهو أسلوب متغير متجدد يختلف من عصر إلى آخر. كما يلاحظ أن أساليب الرسائل النثرية كانت تتشابه مع أساليب الرسائل الشعرية في العصر الأدبي الواحد، من حيث اللغة والخيال والتصوير والخصائص الفنية والميزات العامة. وقد ضاعت الكثرة من الرسائل الشخصية الخاصة ولم يصل منها سوى النزر اليسير الذي لا يكاد يفصح عن شيء كثير من حياة عموم الناس في تلك العصور، وأمّا ما وصل من رسائل ديوانية أو رسمية عامة فكان قليلاً جداً قياساً على ما كان من إنتاج غزير على أرض الواقع في تلك العصور، علماً أن القدماء عُنُوا بصنع دواوين أو مجاميع لرسائل الكُتَّاب البارزين، غير أن الزمان طوى هذه المجاميع، ولا نجد في كتب التراث سوى ذكرها، كإشارات النديم (ت 385هـ) لأكثر من خمسة وثلاثين ديواناً للرسائل النثرية منذ أواخر العصر الأموي حتى زمنه. وقد بذل بعض المحدثين جهوداً مضنية لجمع ما تفرَّق من رسائل القدماء، ومن أبرزهم أحمد زكي صفوت الذي نشر في سنتي 1936و 1937 أربعة مجلدات من رسائل العرب في عصورهم الزاهرة (الجاهلية وصدر الإسلام، والعصر الأموي، والعصور العباسية، وفي الأندلس منذ الفتح) بعنوان «جمهرة رسائل العرب». في العصر الحديث مال كثير من الكُتاب والشعراء والفنانين والسياسيين والمفكرين والعلماء والفلاسفة وسواهم إلى نشر رسائلهم في حياتهم، مال كثير من ورثتهم من أبنائهم أو أحفادهم أو حتى مريديهم، إلى تتبع ما تفرَّق من رسائلهم وجمعه ونشره، وهي ظاهرة محمودة بطبيعة الحال. وأدب الرسائل ذو قيمة مزدوجة، الأولى هي كون الرسائل نصوصاً أدبية نثرية إبداعية تكشف طبيعة أساليب العصر في التصوير والتعبير، فهي مرايا للنفس البشرية وطاقاتها الإبداعية، وهي تغني اللغة العربية، وترفدها برافد من المعاني والدلالات والاستعمالات التي تُطَوِّرها وتحِّصنها وتجعلها متواصلة مع التعبير عن أدق المشاعر والأفكار في العصر. وثانيتهما هي كون هذه الرسائل وثائق على العصر تكشف خباياه وأسراره في مختلف الشؤون. وقد طرأ تطوران مهمان في إطار الرسالة النثرية، فقد جرى الردُّ عليها منذ زمن أبي بكر في الشكل الذي عرف بـ (التوقيعات)، وطُوِّلت الرسالة لتعالج موضوعات غير ترسلية بالشكل الذي عرف بـ (الرسائل الأدبية) منذ أواخر العصر الأموي، لتأدية وظائف مختلفة. ولا شك أن الترسل نوع أدبي معروف عند العرب وعند سائر الأمم، فهو من الأنواع المشتركة بين آداب الأمم جميعاً، مع اختلاف الأساليب والمناهج والأشكال التي تستعملها كل أمة في أدبها. وقد اعتنت الأمم بحفظ تراثها منه على تفاوت، كما اعتنت بنشره أيضاً، وربما قامت بنشر تراث الأمم الأخرى منه إلى لغاتها، ونذكر على سبيل المثال، لا الحصر، «رسائل شيشرون» عند الرومان، وقد ترجمت إلى الفرنسية وغيرها من اللغات الأوربية الحديثة، ونذكر رسائل أديبات الصالونات الأدبية الفرنسية المختلفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ومنهن مثلاً: مدام دو سيفينييه Mme de Sevigne ومدام دو لا فاييت Mme de la Fayette.
|
9/12/2008, 10:46 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
مـهـند س مـحـتـرف
|
رد: الترسل في الأدب العربي
تسلم ياغالي,,,
|
|||
5/7/2011, 07:11 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
مـهـند س مـمـيـز
|
رد: الترسل في الأدب العربي
|
||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~