|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نظرات لا نظريات في مسائل النقد الحديث
نظرات لا نظريات في مسائل النقد الحديث يكون العمل الفني كياناً عضوياً متصلاً بالكون كله، ويبقى مع ذلك كياناً مستقلاً قائماً بذاته يغتني ظاهره بجمال داخله، ويتصل داخله بظاهره، كما هي حال الجسد الحي، فما من فاصل أو فراغ بين الداخل والخارج، وما من علة في الجسد إلا وتترك أثراً على الكيان كله. والعمل الفني ككل كيان عضوي أو غير عضوي، مكون من عناصر شتى، تتحد عبر تفاعلات كثيرة قبل أن تصير "هو" ويكون "هو" نتاج اتحادها كلها، ثم تكون له فوق ذلك سماته الخاصة، التي لن نحصل عليها، كما هي، إذا اكتفينا بإحصاء السمات المكونة لتلك العناصر. فالعمل الفني، على سبيل المثال، كالماء المكون من أوكسجين وهيدروجين، وليست له صفات أي منهما على انفراد ولا مجموع صفاتهما منفردين.. إن اتحاد العناصر يعطي كياناً جديداً هو منها وهو غيرها في آن واحد، وإذا أرجعناه إليها فقد خصوصيته التي كانت له إذ كانت عناصره متحدة.. وتلك هي أعجوبة الكينونة.. قد يقول قائل: هذا كلام في العلم أو من وحي العلم وقد يصح في المقولات العلمية ولا يصح في الأدب خصوصاً وفي العلوم الإنسانية عموماً.. لكن مقولات العقل الإنساني تكون دائماً على انسجام مع وحدة قوانين الطبيعة التي تشمل كل البنى وكل المقولات وتصح فيها وتسري عليها وإن تباينت أشكال ظهورها وتجسدها، فالمقولات العلمية، إنما هي بنى بحكم كونها مقولات. وكل بنية هي كيان من نوع خاص متميز بخصوصيته، متصل بالعام ومنفصل عنه، وبالتالي فهو منه وإليه، وهو غيره. وقد ألحت أكثر من فئة من فئات دارسي الأدب والفن على عزل العمل الإبداعي عما هو خارجه "لا نص خارج النص" وكانت قولة حق أريد بها باطل إذ تم النظر إلى المسألة من أحد جوانبها وأُهملت الجوانب الأخرى.. فالنص يقرأ كنص ولا يجوز أن يضفى عليه شىء مما ليس فيه أياً كانت الحال.. لكن النص لم يبدع ذاته بذاته ولذاته بل أبدعه مبدع هو ابن فلان وفلانة، وهو من قرية أو مدينة بعينها بل هو ابن هذا الحي أو ذاك.. وقد يكون نشأ في بيئة مستقرة أو مضطربة، وهبت عليه رياح من شتى الجهات، واغتسل بمياه أكثر من ينبوع، واشترك أهل الأرض قاطبة في صنع بعض الأدوات التي يستعملها. وهو إلى ذلك وريث ثقافة معينة، وربما اعتبر بحار الثقافة العالمية ميداناً لابحار سفنه. وإذا ذهبنا بعيداً قلنا مع القائلين بأن الكون غير المتناهي قد أسهم في تكوين كل كائن من كائناته، ليكون كل ما ننتجه جزءاً من عمل كوني.. ويكون الفصل أبداً بين الخاص والعام مسألة نظرية ونسبية. ويقول بعضهم: "الأدب لا يأتي إلا من الأدب" وهم يريدون من وراء ذلك القول إن الأدب ليس انعكاساً للواقع، وليس بالتالي نتاجاً اجتماعياً، ومن ثم ليس وسيلة من وسائل فهم الكون، وليس أداة للمعرفة. ويقول آخرون: بل هي اللغة أصل الأدب وأصل الفن والفكر عامة، فليس ثمة تفكير إلا باللغة.. فإذا ألقينا الأضواء على بنية النص اللغوية وحللناها اكتفينا وكفينا. وينسى هؤلاء وأولئك أن الأدب الذي نقرأه قد أصبح شريحة من الواقع الذي نعيشه، ومن ثم صار واقعاً، فإذا أعطتنا الحياة والممارسة العملية، غير المنفصلة بجدار كتيم عن ثقافات الحاضر والماضي، تجربة ما، وإذا أمدنا ما أطلعنا عليه من أدب بأسلوب الكتابة فإن ذلك لا يكون دحضاً للقول بتأثير الواقع على الأدب والفن بل يكون إثباتاً، فالثقافة تنعكس عن الواقع لتعود إليه وتصير شريحة منه وعنصراً مكوناً من عناصره.. وهي كالماء ينبثق من التراب ليعود إليه ويتفاعل معه ليولد نماء وخصب يضافان إلى ثروة الحياة فتغتني بهما الأجيال وتغنيهما. ويجري كلام على اللغة وكأنها شىء ما، مستقل عن المجتمع والتاريخ وخارجهما. وكأنها مادة سحرية خاصة يصنع منها الفن الكلامي كما تصنع بعض الدمى من بعض العجائن. فإذا تجاهلنا مع المتجاهلين أن اللغة، التي هي جزء من تفكيرنا وأداة لتعبيرنا، إنما هي بنية أفرزها المجتمع الإنساني وأتقنها، فحذف منها وعدّل فيها وأضاف إليها عبر مراحل تطوره التاريخي، وسيظل يضيف إليها ويعدّ لها، إذا تجاهلنا كل ذلك فليس في وسعنا أن نتجاهل أن الانفعال أو الرغبة هما اللذان يقفان دائماً وراء كل كتابة. فهل في وسعنا أن نفصل رغباتنا ومشاعرنا عن الواقع الذي نعيش أحداثه فنتمنى لقسوة تلك الأحداث أن نقول، أحياناً، كما قال كعب بن زهير قبلنا: "ما أجمل العيش لو أن الفتى حجر"! ويبقى النص الأدبي أكبر وأغنى وأجمل من مجموع سمات العناصر المكونة له. إن اتحاد العطر واللون في الزهرة أكثر من مجرد مزج كمي عددي لعطر ولون.. إنه قيام كيان عضوي نوعي اسمه الزهرة.. وهو أكبر من اسمه وغير اسمه الذي هو لغة، وهو من ثم أكبر من لونه وغير لونه الذي هو أسلوب ورونق وطلاوة، وهو من ثم أكبر من عطره وغير عطره الذي ربما استطعنا أن نستعير له تعبير "روحه أو فحواه". أما سر الروح، وسحر الروح، سر تحول الكمي إلى نوعي وسحر هذا التحول فيبقى سراً على الرغم من تجليه في كل الظواهر التي تجري فينا وخارجنا، وفي كل ما يحيط بنا. وكون السرسراً لا يعني أن لا نحاول الوصول إلى كنهه، إن كل خطوة جادة على طريق كشف السر تبقي أثراً لها، وتكون ذات فائدة لنا وللآتين.. لكن أخطر ما في أمرنا هو أن يزعم كل من قام منا بخطوة في هذا السبيل أن خطوته هي الخطوة الحاسمة، أو هي الدرب كله، فيلغي الماضي كله ويقطع الطريق على المستقبل. وفي الأدب والفن، كما في السياسة والفلسفة، تلقي النظرة إلى الظاهرة، الضوء عليها في حين تغلق النظرية دائرة البحث، إذ تدعي لنفسها الكمال والشمول، مما يدعو النقدة والباحثين ودارسي الأدب وغيرهم إلى أن يطلعوا على كل النظريات وأن يدرسوها كنظرات لا كنظريات، وأن لا يغلقوا دائرة البحث بل يتركوها مفتوحة، فلا تكون نظراتهم أحادية الجانب، ولا ضيقة الأفق. والعمل الأدبي ليس كلاماً فحسب، وليس شعوراً تجسد في كلام فحسب،إنه خلاصة دنيا بكاملها، وخلاصة حياة تشمل الماضي والحاضر وكل ما فيهما من توق إلى المستقبل وقد تجسدا في كلام فصار الكلام لهما جسداً حياً، يوجعه تجريحه ويضيره، بل يقتله تشريحه. وقد تكون اللغة هي دم العمل المكتوب، لكن الدم ليس الجسد بكامله، وقد تكون الفكرة هي روح الأدب، إن كان له روح، لكنها ليست كله.. والعمل الفني ليس كما يزعم الزاعمون فوق المكان والزمان بل هو ابنهما الذي أنجباه ليورثاه كل ثروتهما وكل سماتهما، وليؤثرا فيه ويتأثرا به.. ولعل أجمل ما في العمل الفني هو أن يحمل السمات الجوهرية لزمانه ومكانه. وكل كائن حي، والعمل الأدبي كائن حي، إنما ينشأ على تربة جنسه الذي تنامى في الأزمنة والأمكنة، وهو بالتالي يحمل الكثير من موروثات ذلك الجنس الحامل مورثات الأزمنة والأمكنة.. فإذا فصمناه عن تلك المورثات، وهذا لا يكون إلا بتدميره، أو إذا نظرنا إليه غير آخذينها بالاعتبار كنا كمن يحاول أن يقبض على الريح، أو يطحن الماء بالرحى. لقد سعت المدارس النقدية الحديثة، التي نقلت إلينا على أنها طفلة غريرة بعد أن هرمت وشاخت في الغرب، سعت إلى إقناعنا وما زال إتباعها عندنا يسعون إلى إقناعنا بأن دراسة النص بنيوياً هي الوسيلة الأحدث، بمعنى أنها الوسيلة الأفضل والأشمل لدراسته. وإذا سألناهم: الأفضل لماذا؟ سكتوا.. فإذا قلنا: أهي الأفضل لفهم النص؟ صاحوا مستنكرين: لا.. ليس الفهم أو الإفهام غايتنا.. وإذا قلنا لهم: وكيف يكون الجزئي هو الأشمل؟ تمادوا وسخروا من سذاجتنا.. ونصدق اتهامهم لنا بالسذاجة.. فنحن، فعلاً، لا نفهمهم جيداً.. وكثيراً ما نعزي عدم فهمنا لهم إلى نقص فينا لا فيهم.. ونعكف على دراستهم جيداً.. نقرأ صابرين أهم ما يصدرونه من دراسات.. ونجد أن مدرستهم صارت مدارس، وأن بنيتهم صارت بنى، وصارت بنيويتهم بنيويات كثيرة. نجد أن الكثيرين من أعلامهم شرعوا يعرّجون على مدارس النقد التي تبنت التحليل النفسي، أو تلك التي تبنت النقد التاريخي أو الأساطيري، وغيرها من مدارس النقد.. ونفرح لعودة الابن الضال إلى جادة الصواب. وكي نكون منصفين لا مفر لنا من الاعتراف بأن ضلال هذا الابن قد أفاد دارسي الأدب في العالم إذ لفت أنظار هؤلاء الدارسين إلى جانب هام من جوانب النظر إلى العمل الأدبي، ويكون مفيداً دائماً تعدد وجهات النظر في هذا الميدان، كما هو مفيد في كل ميدان آخر، على أن نأخذها كوجهات نظر إلى الأدب لا كنظريات عنه وفيه، إن النظرة إلى الأدب تغتني بالنظرات الأخرى وتغنيها وتضاف إليها ولا تكون بديلاً عنها، ومشكله الدراسات الأدبية والاجتماعية، حتى "العلمية" منها هي في أنها تطرح نفسها على أنها البديل لسواها، وكثيراً ما يزعم واضعوها وأتباعهم أنها البديل الوحيد والأمثل والأكمل لكل ما عداها، وفي هذا يكون مقتلها أو نقطة ضعفها الأساسية.. أما أن نحصي عدد الأفعال والأسماء في هذا النص أو ذاك، أو أن نحصي الفواصل والنقط، وعلامات التعجب والاستفهام وصيغ الأفعال الماضية والمضارعة ثم نسمي ذلك مدرسة في النقد الأدبي وفي دراسة الأدب، كما يفعل بعض الذين يكتبون في الدوريات الثقافية عندنا، فهذا إضاعة للوقت وللحبر والورق... وقد يفيد من ذلك علم الإحصاء الأدبي إن وجد مثل هذا الإحصاء أو قد يتسلى به أولئك الذين ليس لديهم عمل جاد يعملونه.. أما أن يقال إنه مفيد للأدب وتطوره فتلك أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان الأخير الذي كثرت فيه الأعاجيب حتى فاقت عدداً أعاجيب كل الأزمنة الغابرة. |
9/2/2009, 09:24 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
مـهـند س مـاسـي
|
رد: نظرات لا نظريات في مسائل النقد الحديث
لااحد يعلم كم من الوقت مر قبل ان يصلها الطبيب
ربما لحظات وربما سنوات لكنه اخيرا وصل وقف امامها باسما كتب له عمر جديد ياسيدتي نجحت العمليه وسيعيش وانتظر ان ينطق منها صوت الفرح لكنها صمتت لم تنطق ولن تنطق ابدا لقد رحلت قتلها الانتظار والخوف والترقب!!!؟ عفوا |
||||
5/7/2011, 07:18 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
مـهـند س مـمـيـز
|
رد: نظرات لا نظريات في مسائل النقد الحديث
|
||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~