مرحلة نزع الروح

[باسل الترك]

قال تعالى:
فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون.
الحلقوم هو منفذ الهواء في رقبة الإنسان وكأن الله تعالى يصور لنا إنسانا بين أهله يموت وأنتم تنظرون إليه والله تعالى أقرب إليه منكم لكن لا تبصرون.
وهنا يقول وكلكم مديونين لله تعالى بأرواحكم ولو يستطيع أحدك أن يعيد هذه الروح فليرجعها.
ثم بدأ الله تعالى تقسيم الناس إلى مراتب أثناء الموت فقال تعالى:
فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم.
واسمحوا لي أن أقف مع المقربين فما معنى المقرب هل هو من قربه الله تعالى أم من كان قريبا من النبي عليه السلام.....؟
وهنا يقول الله تعالى واعلموا أن فيكم رسول الله.
لكن النبي عليه السلام ليس معنا الآن فهو في قبره ولكنه معنا بالسنة وبالدين وكأنه بيننا والصحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون على النبي صلى الله عليه وسلم فيطبقون ما يأمرهم به كذلك نحن فبوجوده ومع عدم وجوده نحن سنطبق أقواله وأفعاله.
ولا بد أن أضع في الحسبان أن الله تعالى ورسوله معنا كل وقت بالسنة والقرآن.
اعمل حسابا أخي المسلم بأن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
نعود إلى الآية قال تعالى فروح أي رحمة أو مستراح والريحان فيها نوع من الرائحة الطيبة وجنة نعيم.
ثم قال وأما إن كان من أصحاب اليمين أي كان يعيش مع أصحاب اليمين فأصبح منهم ومع الصالحين.
وكلمة اليمين بطبيعتها لها عندنا معنى الاستبشار والطاعة وكما نعلم أن أهل الشمال أهل المعصية وأهل اليمين أهل الطاعة والقرب من الله تعالى.
وأنت إذا عرض عليك أمر فهل ستمشي مع أهل اليمين أم مع أهل الشمال........؟
هل ستحب أهل اليمين أم أهل الشمال......؟
طبعا أهل اليمين قال تعالى وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين.
لقد أرسل الله تعالى لك السلام مع الملائكة وإذا نزلت إلى قبرك فسترى السلام من منكر ونكير وأنت خارج من قبرك سترى الملائكة وهم يسلمون عليك وأنت داخل قبرك فسترى عملك الصالح وهو يسلم عليك.
طبعا سنرى العمل الصالح كما أخبرنا النبي عليه السلام فقد قال عليه السلام حديثا جميلا وأريد منكم وأن تستمعون إلى الحديث أن تفكروا وتتخيلوا بأن روحي هي التي تصعد إلى السماء قال عليه السلام:
إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزلت إليه ملائكة بيض الوجوه فيجلسون مد البصر معهم كفن من الجنة ثم يأتي ملك الموت في أبهى صورة خلق عليها.
فإذا دخل عليه قال السلام عليكم.
وهنا أذكر قول الله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم.
ليس معنى الطيب كما يفهم المسكين إنما معنى الطيب قليل الذنوب كثير التوبة.
ثم يقول ملك الموت يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان رب راض غير غضبان.
ثم قال فتخرج الروح من الجسد تسيل كما تسيل القطر من في السقاء وتأتي ملائكة الرحمة وتأخذ الروح وتلفها بكفن الجنة.
فتخرج روحك كأطيب ريح ولا أنسى أن أذكركم أن هناك موقفا سوف يحدث وهو:
الموقف هذا عند موته الذي سيرى فيه ملائكة أخرى يقولون له جزاك الله عنا خيرا فلطالما جلسنا معك مجالس الذكر ولطالما أحضرتنا معك في الطاعة.
وهكذا تصعد روح الإنسان إلى السماء إلى المكان الطاهر وكلما مر على مكان قال أهل السماء لمن هذه الروح الطيبة فيقولون هذه الروح روح فلان ابن فلان بأطيب أسمائه أو فلانة ابنة فلانة التي كان ينادى بها في الدنيا.
وكلما ارتفع تصلي له الملائكة تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه.
قال عليه السلام لمن يصلي في المسجد ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ولا تزال الملائكة تصلي عليه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه.
فكما كنت قريبا من الله تعالى في الدنيا فأنت قريب من الجنة في الآخرة والملائكة حلك يصلون عليك ويمشون معك وعندما تفتح أبواب السماء تقول ملائكة السماء لمن هذه الروح فيقال لهم هذه روح فلان ابن فلان فتصلي عليه ملائكة السماء الأولى.
ثم يصعد إلى السماء الأولى فالثانية فالثالثة حتى يصل إلى الله تعالى مع وفود الملائكة فيقول الله تعالى وهو أعلم لمن هذه الروح الطيبة فيقولون إنها روح فلان ابن فلان فيقول الله تعالى:
اكتبوا كتاب عبدي عندي في عليين.
هل تعلم ما معنى عليين إنه كتاب يكتب فيه أسماء أهل الجنة أي مع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء.
هل تذكر هنا نتيجة الامتحان عندما كنت تتمنى أن لا يكون اسمك بقرب أسماء الراسبين.
هل تذكر كم كانت فرحتك عظيمة عندما رأيت اسمك بجانب الناجحين وهكذا تكون فرحة الرجل الصالح عندما قال تعالى:
وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون.
ثم ترد له الروح أثناء الغسل فيغسل ويكفن ويحمل على الأعناق ويتوجه به إلى قبور الصالحين.
وكما نعلم أن المرء سيبعث على ما مات عليه فخل أملك لله وأملك في طاعة الله تعالى.
لذلك فإن الإمام عبد الله بن المبارك صاحب الإمام مالك أحد الرجال الصالحين كان يقول:
إذا فارق ذكر الموت قلبي خفت عليه.
أي في يوم من الأيام نظرت إلى قلبي فرأيته لا يفكر بالموت ولا يريد أن يفكر به وقد نسيه فهنا سأخاف عليه لماذا..........؟
لأن الموت حبيب يوصل لنا الحبيب فلو أنهم كلما أراد حبيبي أن يأتي إلي فأقول لهم لا أريد الحديث في هذا الموضوع فهنا يظهر الجفاء.
وأنت لن ترى الله تعالى حتى تموت والنبي عليه السلام يقول:
اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.
إذن الموت هو بوابة رؤية الله تعالى وهي استبشار للقدوم على أرحم الراحمين سبحانه لكن ما هي المشكلة عندنا..........؟
لقد سئل أحد الصالحين اسمه حازم وكان في عصر سليمان بن عبد الملك وقد سأله أكير المؤمنين سليمان فقال لماذا نكره الموت........؟
قال أبو حازم نحن نكره الموت لأننا خربنا الآخرة وعمرنا الدنيا فنكره أن ننتقل من العمار إلى الخراب.
وأبو الدرداء دخل عليه بعض الناس فرؤوا حاجات منزله قليلة فقالوا له لماذا حوائجك قليلة في البيت..........؟
فقال لهم لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لنا دارا عند ربنا هي خير من هذه الدار وأنا أوصل إليها خير المتاع أي أنه يتصدق بكل ما يملكه ليفرش الآخرة.
ونحن عندما نتصدق على الفقير فإنه لا يذهب إلى الفقير إنما يذهب إلى الله تعالى كما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما كانت تعطر الدراهم التي تتصدق بها فتقول لأنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير فأحبها أن تقع وهي طيبة.
هل لاحظتم كيف كانوا يفكرون بالآخرة وهنا قال العلماء شيئا جميلا وهو:
إذا أردت أن تفكر بالآخرة فانظر إلى النعش الذي يحمل فيه الميت فإنه يقول لك:
انظر إلي بقلبك أنا المعد لحملك أنا سرير المنايا كم سار مثلي بمثلك.
وفي يوم من الأيام كان سيدنا سليمان جالسا مع أحد أصحابه فدخل رجل آخر وتكلم مع سيدنا سليمان وهو ينظر إلى صاحبه فقال صاحب سليمان لماذا ينظر إلي هذا الرجل بهذه النظرة فقال سيدنا سليمان هذا ليس رجلا إنما هو ملك الموت فقال له أطلب منك أن تنقلني إلى الهند فإني لا أحب أن أكون في مكان فيه ملك الموت.
فأمر سيدنا سليمان الرياح بأن تنقله إلى الهند ثم جاء ملك الموت فقال له سيدنا سليمان لماذا كنت تنظر إلى هذا الرجل الذي كان عندي.....؟
قال له لقد تعجبت لأن الله تعالى أمرني أن أقبض روحه في الهند فعجبت من وجوده بجانبك فذهب إلى الهند فقبضت روحه.
وهنا يقول عليه السلام إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة.
ولهذا يقول عليه السلام إن أحب الأعمال على الله تعالى الصلاة على وقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله تعالى.
لهذا إذا خرجت في طاعة والديك فأنت في سبيل الله تعالى.
وهنا دعوني أوصيكم بوصية تشرح الصدر وتحبب القلب الصبور وتجعل الإنسان يشتاق إلى الله تعالى.
فأوصيكم بكثرة الذكر من لا إله إلا الله وهذا الذكر نحن محتاجين له لحظة الموت.

[انور حافظ احمد]