|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
الإنسان مدنيّ بطبعه، يجنح إلى تكوين العلاقات، وبناء الروابط مع بني جنسه. فلا يستطيع أنْ يعيش بمعزلٍ عن غيره، لأن العزلة حين تكون طوعية، نوعٌ من الانتحار الذاتي. وحين تكون بالقوة والقسر، عقوبة صارمة تُتخذ ضد نوعٍ معين من المجرمين، أو عملية قتلٍ بطيء حين تُطبّق على إنسانٍ بريء . فالإنسان يميل بطبعه إلى مخالطة الناس والتعامل معهم، وهو بحاجة إلى ذلك بحكم المصالح المشتركة، وحاجة كلِّ إنسانٍ لأخيه الإنسان. فلا يمكن لـه الاستغناء عن الآخرين في تحقيق مصالحه. هذه الحقيقة التي جاء بها القرآن الكريم وبيّن أبعادها، تنبّه إليها عددٌ من العلماء وعلى رأسهم ابن خلدون في القرن الثامن الهجري ، وما تزال الأيام تثبت لنا صدقها، ودقّة وصفها للسلوك الإنساني. فقد بين لنا القرآن الكريم أن الناس مهما تعددت أجناسهم وألوانهم فإن أباهم جميعاً هو آدم عليه السلام. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ . فالقرآن يُؤكد وحدة أصل الناس وصلة القُربى بينهم، باعتبارهم أخوة ينحدرون من أصل واحد. فإنّ هذا التوحّد في الأصل والمنشأ، حريٌّ به أن يقود الناس إلى التعاون والتفاهم والالتقاء على الخير والمحبة. والناظر في صيغ الخطاب القرآني، يجد أنها تؤكد وحدة الأصل الإنساني، فكثيراً ما تتكرر في القرآن صِيغ النداء بـ ﴿يا أيها الناس﴾ و ﴿يا بني آدم﴾، مما يشير إلى أن الله سبحانه كرّم هذا الإنسان وفضّله على كثيرٍ من خلقه، مُعلناً بذلك مبدأ المساواة بين البشر، فلا فضل لجنس على آخر باعتبار اللون والعنصر والنشأة. ويرتقي بهذا الإنسان حين يعلن أنّ أساس الثواب والعقاب يرتكز على النوايا والأعمال لا على الظواهر والأشكال. قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: »إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم« . ولكن البشريّة حين تُغيِّبُ عقولها، وتطمس ضمائرها، تتناسى هذا المبدأ، وتضرب بكل هذه القيم عرض الحائط، فتنتشر العنصرية البغيضة. حتى وصل الأمر عند اليهود إلى الاعتقاد بأنهم شعب الله المختار، وأنَّ غيرهم من الناس ليسوا إلا عبيداً خلقهم الله لخدمتهم. وهكذا انتشرت الفكرة العنصرية المقيتة بين كثيرٍ من الشعوب والأمم، فجعلتها تتقاتل على أساسها، ويظلم بعضها بعضاً، متناسيةً وحدة أصلها وصلة القربى فيما بينها، فكان ما كان؛ أنْ حلَّت المصائب والفتن والاعتداءات هنا وهناك. وبعد أن بين لنا القرآن وحدة الأصل الإنساني، فإنه يبين لنا في سياقٍ آخر أنَّ هذا الأصل تفرَّعت عنه الشعوب والقبائل والأمم، وأنَّ الهدف من هذا التنوع بين الناس هو الاتصال والتفاهم والتعارف فيما بينهم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ . فالغاية التي جعل الله الناسَ لأجلها شعوباً وقبائل –كما تدلّ الآية- ليست التناحر والتنازع، ولكنها التعارف والوئام، فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطبائع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات، فتنوّعٌ لا يقتضي النـزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف، والوفاء بجميع الحاجات. فالناس أخوة في الإنسانية، لأنهم من طينة واحدة، وتنوعهم إلى شعوب وقبائل ليس أمراً تتغير به حقيقة الإنسانية في الإنسان . وإذا كان القرآن الكريم قد اهتم ببناء العلاقات الإنسانية على المستوى الإنساني العام، فهو في الوقت نفسه لم يَغفل عن أهمية بناء هذه العلاقات في مستوياتها الداخلية، بدءاً بالعلاقة القائمة بين الزوجين، مروراً بالأسرة والأقارب والجيران حتى المجتمع المسلم. فعلى مستوى الحياة الزوجية مثلاً، فإن الشعور بالاستقرار الذي يجده كل واحد من الزوجين في الآخر نتيجة اتصالهما والألفة القائمة بينهما، يُعدّ حقلاً خصباً لتربية العلاقات الإنسانية، وبيئة مهيأة لتغذية الصلات الاجتماعية، وهو ما يصوِّره قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ . ثم تتسع دائرة العلاقات الأسرية في الإسلام لتشمل العلاقة القائمة على النسب والرّضاع والمصاهرة. ويُشير إلى هذا المعنى قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ . "وإذا كانت الأسرة تُعَدُّ الوسط الاجتماعي الأوَّل الذي يُؤمِّن وسائل المعيشة لأفراده، ويمرّنهم على الحياة، ويُشكّلهم ليكونوا أعضاء عاملين في المجتمع، صار من الثابت: أن المجتمع –الذي من أشكاله الأسرة- لا يضمّ أفراداً فحسب، ولكنه يضم أفراداً وما يتولَّد عن وجودهم الاجتماعي من صِلات وعلاقات" . وعلى مستوى العلاقات الإنسانية بين الأفراد على اختلاف أشكالهم يبقى هذا المفهوم حاضراً في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾ . وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ . وإذا تحوّلنا إلى نطاق المجتمع المسلم، وجدنا أنَّ القرآن يُعطي أهمية للعلاقات الإنسانية، ويجعلها أساس الاجتماع وأصل العمران. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ . فالآية تشير إلى أنَّ التأليف بين القلوب نعمة ربانية جديرة بالتنويه، فبذلك "تنتفي الأحقاد، وتنمحي البغضاء، وتـتوارى الخلافات، وما يترتب عليها من غارات وحروب، ويذهب شبح الهلاك إلى غير رجعة. لأن التأليف بين القلوب إنما هو اتحاد في المشاعر، وانسجام في الوجدان، وباعث على التضامن في السرَّاء والضرَّاء، فهو إذن وحدة نفسية، أو فكرية، أو عقلية أو روحية، ينشأ عنها حتماً وحدة اجتماعية لا تنفصم. ومن هنا يمكن القول: إن المجتمع في نظر القرآن تأليفٌ بين القلوب، واتحادٌ في المشاعر، وتَشاركٌ في الوجدان" . يتبين مما سبق أنّ القرآن الكريم يرى أنَّ الأخلاق الإنسانية لا يمكن أنْ تَكْتمل، إلا من خلال حياةٍ اجتماعية صالحة، قائمة على أساس العدل الاجتماعي، والعلاقات الإنسانية النظيفة المَبنيَّة على التعاون والتناصر والمشاركة والمحبَّة ونُكران الذات، ومعتمدة على عبادة الخالق عزَّ وجل، والخضوع لما تقتضيه ربوبيته. وبالنظر في التصوّر القرآني لتنمية العلاقات الإنسانية، نجد أنَّ الفلسفة القرآنية في هذا المجال بُنيت على ثلاثة أمور : الأول: المسألة الأخلاقية، ذلك أنَّ الإلزام والمسؤولية والجهد المبذول لتقوية العلاقات الإنسانية أو بناء المجتمع المسلم، إنما هو قيمة أخلاقية عُليا، على الإنسان المؤمن أنْ يلتزم بها، باعتباره إنساناً واعياً جديراً بتحمّل هذه المسؤولية وهذا الشرف الرفيع. الثاني: أنَّ القرآن أكَّد في حثِّه على صِلة الرحم، وإطعام الفقير والمسكين، وتكريم اليتيم، وأدب التعامل مع الآخرين، وغيرها من الأمور التي تُنمِّي الصِّلات الإنسانية، أَكَّد على أنَّ هذه الأعمال إنما هي أمورٌ تَعبديَّة يتقرّب بها الإنسان إلى الله تعالى، ويُثاب عليها. الثالث: أنَّ القرآن أراد للإنسان المؤمن أنْ يَصِل إلى مراحل متقدّمة من الكمال، فأراد بتثبيت العلاقات الإنسانية أنْ يُبرز مفهوم التكافل الاجتماعي، ومبدأ الحرص على شفافية العلاقة بين المسلمين خاصّة وبين الناس عامة. |
9/1/2011, 04:28 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
مـهـند س مـاسـي
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
بارك الله فيك اخى حلمى
واشكر ايضا على مروركم الكريم على موضيعى |
||||
9/1/2011, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||
صديق المهندسين العرب
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
بارك الله
فيك اخى |
|||
9/1/2011, 06:54 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
كبار الشخصيات
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
|
||||
9/1/2011, 06:58 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
كبار الشخصيات
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
|
||||
9/1/2011, 07:03 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
كبار الشخصيات
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
|
||||
9/1/2011, 10:31 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
كبار الشخصيات
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
|
||||
10/1/2011, 03:19 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
كبار الشخصيات
|
رد: التصوّر القرآني للعلاقات الإنسانية
|
||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~