|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
علو الهمة في حياتنا المعاصرة بين النظرية والتطبيق
علو الهمة في حياتنا المعاصرة بين النظرية والتطبيق أيها المسلمون: لو نظرنا إلى واقعنا المعاصر ووضعنا همم الرجال والنساء والولدان في الميزان؛ لوجدنا أن هممنا في جميع المجالات الدينية والدنيوية قد بلغها العجز والقصور؛ فنجد الفرد منا لو سجد لله سجدة أو تصدق بدرهم أو صام يوما يظن أنه قد بلغ القمة في علو الهمة؛ ولا يدري هذا المسكين أن أفعاله الزهيدة هذه قد تكون وبالا عليه في دنيا وأخراه؛ ولذلك يقول الإمام الغزالي – رحمه الله – : ” إن العبد ليسجد سجدةً لله يظن أنه تقرب بها إلى الله والذي نفسي بيده لو وُزع ذنب هذه السجدة على البلدة كلها لكفتهم ، قيل له : لماذا ؟ قال : لأنه يسجد برأسه لمولاه وقلبه منشغلٌ بدنياه “ هذا في مجال الطاعة؛ أما في مجال المعصية فإن الهمم نحو فعل المعصية عالية قد بلغت ذروتها؛ ومع ذلك يظن صاحبها أنها ليست بمعصية أو ليست بشئ!! فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ؛ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ ” (البخاري)؛ قال ابن بطال:” إنما كانوا يعدون الصغائر من الموبقات لشدة خشيتهم لله، وإن لم تكن لهم كبائر.” ؛ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” إن المُؤمنَ يَرى ذَنبَهُ كأنَّهُ في أصل جَبَل يَخافُ أن يَقَعَ عَليه؛ وإنّ الفاجرَ يَرى ذُنوبَهُ كَذُباب وَقَعَ عَلى أنفه فقال لَهُ هكذا “( رواه الترمذي وأحمد والبخاري موقوفاً علي ابن مسعود) ولو أنك سألت صاحب هذه المعصية يقول لك: كل الناس تفعل ذلك؛ وكأنه أصبح عرفا مشروعا!! ألا يعلم هذا المسكين أنه أهلكُ الناسِ؟!! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ”(مسلم)؛ ألا يعلم هذا المسكين أن أصحاب المعالي قلة؛ فعن ابن جدعان قال: سمع عمر رجلًا يِقول: “اللهم اجعلني من الأقلين”، فقال: “يا عبد الله! وما الأقلون؟ “، قال: سمعت الله يقول. {وما آمن معه إلا قليل}، {وقليل من عبادي الشكور}، وذكر آيات أخر، فقال عمر: “كل أحد أفقه من عمر”. لذلك قال سفيان بن عيينة: “اسلكوا سبل الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهلها”. وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: “الزم طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين”. فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يُحَصِّل مع كل مرتبة يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة، وإلا انقطع به السبيل. وكبير الهمة -كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالي-:” لا يكترث بمخالفه الناكبين عنه له، فإنهم هم الأقلون قدرًا، وإن كانوا الأكثرين عددًا، وكلما استوحشت في تفردك؛ فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغُضَّ الطرف عمن سواهم، فإنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئًا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك، فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك، وعاقوك؛ فالملتفت لنعيق الباطل كالظبي، والظبي أشد سعيًا من الكلب، ولكنه إذا أحسَّ به؛ التفت إليه، فيضعف سعيه، فيدركه الكلبُ، فيأخذه” (مدارج السالكين) يا صاحب الهمة: لا تقل إن منتهي همتي وغاية جهدي ما أنا عليه؛ فهذا حال الكلاب والحيوانات؛ يستحيل أن يتغير جنسها أو وصفها أو اسمها إلى درجة أرقى أو أعلى!! وقد ذكر ابن الجوزي قصة طريفة في ذلك فقال: ” هب أن الكلب قال للأسد: “يا سيد السباع! غيِّر اسمى فإنه قبيح”، فقال له: “أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم”، قال: “فجربني”، فأعطاه شقة لحم، وقال: “احفظ لي هذه إلى غدٍ، وأنا أغير اسمك”، فجاع، وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر، فلما غلبته نفسه، قال: وأي شيء باسمي؟!، وما “كلب” إلا اسم حسن ، فأكل. قال ابن الجوزي -رحمه الله- معلقًا: وهكذا خسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار عاجل الهوى على أجل الفضائل!! …. فالله الله في حريق الهوى إذا ثار، فانظر كيف تطفئه؟!! “( صيد الخاطر) أيها المسلمون: خلق الله الملائكة بعقل وبلا شهوة؛ وخلق الله الحيوانات بشهوة ولا عقل لها؛ وكرم الله الإنسان بأن خلقه بعقل وشهوة؛ فهو جمع بين صفات العالم العلوي والسفلى؛ فإن اجتهد وتغلب على شهوته وقمعها ارتفع بنفسه إلى المعالي؛ وإن اتبع نفسه هواها وانغمس في الشهوات حط بنفسه إلى العالم السفلي!! قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }(الأعراف: 179) فالإنسان – بعلو همته من عدمه – موضع تجاذب بين أخلاق وطباع العالم السفلي، وبين صفات وصفاء العالم العلوي: فَيَحِنُّ ذاك لأرضه بِتَسَفُّلِ ….. ويحن ذا لسمائه بتصعُّدِ قال ابن الجوزي: “من علامة كمال العقل علوُّ الهمة، والراضي بالدون دني.” (صيد الخاطر) . وقد وصف سعد بن معاذ -رضي الله عنه- المشركين، فقال: “رأيت قومًا ليس لهم فضل على أنعامهم، لا يهمهم إلا ما يجعلونه في بطونهم وعلى ظهورهم، وأعجب منهم: قوم يعرفون ما جهل أولئك، ويشتهون كشهوتهم”. ومن يتهيب صعود الجبال … يَعِشْ أبد الدهر بين الحُفَر عباد الله: إننا يجب علينا أن نربي شبابنا وصغارنا على علو الهمة؛ فهم الذين يحملون هموم الأمة ؛ ويكشفون عن أفرادها كل غمة!! وهذا ما تمناه فاروق هذه الأمة؛ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يومًا لأصحابه: “تَمَنُّوا” فقال رجل: “أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا، أنفقه في سبيل الله عز وجل”، فقال: “تمنوا”، فقال رجل: “أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله -عز وجل-، وأتصدق به”، ثم قال: “تمنوا”، قالوا: “ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ “، قال عمر: “لكنى أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا مثل أبى عبيدة بن الجراح!!” ( حلية الأولياء ) فهيا اغرسوا في أولادكم وشبابكم علو الهمة؛ قبل أن يفوتكم قطار العمر وأنتم لا تشعرون؛ وقتها تندمون ولا ينفعكم الندم!! ولا يقل أحدكم أن ولدي صغيرٌ ؛ فإن غَرْسَ علو الهمة مقرون بالولد منذ ولادته؛ فقد جاء رجلٌ إلى الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله يسترشده لتربية ابن له، ويغرس فيه علو الهمة؛ فسأله: “كم عمره؟ “، قال: “شهر”، قال: “فاتك القطار”، وقال: “كنت أظن في بادئ الأمر أني مبالغ، ثم عندما نظرت، وجدت أن ما قلته الحق، وذلك أن الولد يبكي فتعطيه أمُّه الثدي، فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد، ويكبر على هذا !! لذلك فقه سلفنا الصالح هذه المعاني وغرسوها في نفوس أبنائهم؛ قال عمرو بن العاص لحلقة قد جلسوا إلى جانب الكعبة، فلما قضى طوافه جلس إليهم وقد نحَّوا الفتيان عن مجلسهم، فقال: “لا تفعلوا! أوسعوا لهم، وأدنوهم، وألهموهم، فإنهم اليوم صغار قوم يوشك أن يكونوا كبار قوم آخرين، قد كنا صغار قومٍ أصبحنا كبار آخرين”. أحبتي في الله: أين نحن من طرد الأولاد من المساجد؟!! أين نحن من ترك الأولاد فريسة للنت والدش ووسائل الهدم الحديثة؟!! أين نحن من ترك أولادنا دون توجيه أو تربية على علو الهمة ومعالي الأمور وتحمل المسئوليات؟!! عليكم أن تعلموهم سيرة السلف الصالح وكيف كان علو الهمة عندهم صغارا وكبارا !! فإن تعلم ذلك يعلى من همة الآباء والأبناء على السواء. يقول ابن الجوزي: “فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة… فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم.” . إلى أن قال: ” فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب.” (صيد الخاطر) قال ابن هانئ الأندلسي: ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه………….. فمن كان أسعَى كان بالمجدِ أجدرا وبالهــــــــمةِ العلياءِ يرقَى إِلى العُلا…………..فمن كـــــــــان أرقَى هِمَّةً كان أظهرا ولم يتـــــــــأخرْ مَن يريــــدُ تقدمًا…………..ولم يتقـــــــــــــــــــــــــــدمْ مَن يريــــــــــــــدُ تأخرا إنني أذكر تلك الوصية التي كان يوصينا بها أساتذة الجامعة في فترة الدراسة لنا حيث قالوا: من كانت همته الحصول على تقدير ممتاز فسيحصل على ( جيد جدا ) ؛ ومن كانت همته الحصول على ( جيد جدا ) فسيحصل على ( جيد ) ؛ ومن كانت همته الحصول على ( جيد ) فسيحصل على ( مقبول ) ؛ ومن كانت همته الحصول على مقبول فسيحصل على ( الرسوب )!
|
2/3/2016, 11:11 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | |||
Banned
|
رد: علو الهمة في حياتنا المعاصرة بين النظرية والتطبيق
بارك الله فيك اخى
|
|||
4/4/2016, 03:53 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
مـهـند س مـحـتـرف
|
رد: علو الهمة في حياتنا المعاصرة بين النظرية والتطبيق
|
||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Google Adsense Privacy Policy | سياسة الخصوصية لـ جوجل ادسنس
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~