لبنان: بين الديمقراطية.. والحرب الأهلية

[محمدعطيه]

مع اقتراب العام الحالي من نهايته يبدو ان لبنان سيحل محل العراق في أحداث الشرق الاوسط. ويعكس لبنان، الذي لا يزال بلا رئيس وتدير شؤونه حكومة مكلفة، مؤشرات مبكرة لدولة تعاني الفشلَ.

تبدو الأزمة من النظرة الاولى وكأنها ناجمة عن فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد. إلا ان المشكلة في الواقع تتجاوز مجرد انتخاب رئيس. فالنظام السياسي اللبناني يتركز حول البرلمان مع وجود رئيس للحكومة على رأس السلطة التنفيذية. بوسع الرئيس إبطاء الأشياء لكنه لا ِيستطيع فرض تغيير سير الأحداث او تشكيل أجندة جديدة للبلاد.

النزاع في لبنان لا ينحصر حول الشخص الذي يجب ان يصبح رئيساً، على الرغم من ان الطموحات الشخصية للجنرال السابق ميشال عون ومحاولات سورية فرض جهة موالية لها في لبنان طغت على هذه القضية. النزاع الأساسي في لبنان حول التطور السياسي الهيكلي، أنه الاختيار بين الديمقراطية والحرب الأهلية.

في ظل الديمقراطية، كان يفترض ينتخب لبنان رئيسا جديدا قبل اسابيع مضت. فنص الدستور والتجربة الطويلة على مدى عقود في مجال الممارسة السياسية يتضمنان الخطوط الاساسية المطلوبة. يجب ان يبدأ البرلمان بمحاولة انتخاب رئيس بواسطة ثلثي اعضائه. اذا لم تظهر مثل هذه الاغلبية بعد ثلاث جلسات من التصويت، فإن من واجب البرلمان اختيار رئيس بأغلبية بسيطة.

(انتخاب سليمان فرنجية وبشير الجميل جرى على هذا الاساس)

ما لم ينص عليه الدستور هو المماحكات التي تحدث خارج إطاره. وهذا على وجه التحديد ما ظلت تحاول فرضه مجموعة 8 آذار المعارضة، التي تساندها طهران ودمشق، منذ البداية. الفصيل الموالي لطهران يريد ان يجري «ترتيب» الأشياء خلف الكواليس، كما هو الحال في الجمهورية الاسلامية، حيث يخضع كل المرشحين لتدقيق ومراجعة بواسطة مجموعة من الملالي ولا يتم إعلان فوز أي شخص إلا اذا صادقت على فوزه اجهزة موازية في السلطة.

الأغلبية المعروفة باسم كتلة 18 آذار ارتكبت أول خطأ لها عندما قبلت ان يتم جرها الى المفاوضات الشائكة والمناورات الموازية الرامية الى تجاوز الأجهزة الشرعية للسلطة مثل البرلمان ومجلس الوزراء.

وبدلا من المضي وانتخاب رئيس بالتوافق مع القواعد والممارسات الدستورية الشفافة أصبحت الأغلبية طرفا في مناورات بيزنطية أعد بعضها في عواصم أجنبية. ويعود أحد اسباب دخول كتلة الثامن عشر آذار هذه اللعبة الى التدخل الفرنسي.

وفي مسعاه لإحداث انقلاب دبلوماسي في وقت مبكر من ولايته، أفلح الرئيس نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته برنارد كوشنير بإقناع الأغلبية اللبنانية في المشاركة في طائفة من المحاولات الدستورية الاضافية لحل المشكلة. فقد نظما لعبة جرى فيها الاعترافُ بدمشق وطهران باعتبارهما لاعبين شرعيين يتمتعان بسلطة الفيتو. ومن ثم دفعا مطران الكنيسة المارونية الكاردينال صفير الى اللعبة وأعطياه حق الفيتو أيضا كما لو ان لبنان يتمتع بنسخة نظام «ولاية الفقيه» الايراني.

وأدت هذه المناورات الى ثلاث نتائج.

الأولى ان الأغلبية، على الرغم مما يفترض انها تعكس مصالح ووجهة نظر معظم الشعب اللبناني، لا تمتلك الحق في اختيار الرئيس. وإذا ما سمح لهذا بالحدوث فانه سيطرح سابقة خطيرة. لماذا يتعين على أغلبية ألا تختار الشخص الذي تعتبره الأكثر تأهيلا للمنصب؟ هل يتعين ان تكذب على الناس بالتظاهر بان مرشحا لم يكن له أن يعتبر مناسبا للمنصب هو الأفضل؟

والنتيجة الثانية للعبة البيزنطية هو تأكيد سيادة لبنان بإعطاء طهران ودمشق وباريس وكذلك واشنطن القول الرسمي الفصل في من يتعين ان يصبح الرئيس المقبل. وإذا ما سمح لهذا الأمر بالحدوث فانه سيؤدي الى سابقة خطيرة. ومن المؤكد ان حكومات ضعيفة مثل حكومة لبنان لا يمكن ان تتجاهل وجهات نظر الجيران الأقوياء والقوى الكبرى ذات الاهتمامات الاقليمية الجيواستراتيجية. غير ان هذا لا يعني اعطاء الغرباء دورا مباشرا ودستوريا تقريبا في القضايا السياسية الداخلية.

النتيجة الثالثة للعبة هي انها أثارت شهية كل اولئك الذين لا يقبلون بل ولا يستطيعون قبول لبنان كبلد مستقل ذي سيادة. وما ان قبلت الأغلبية دراسة صيغة مساومة بشأن الانتخابات الرئاسية فان المعارضة بدأت، بدفع مؤكد من طهران ودمشق، بطلب المزيد. وبحلول بداية الأسبوع الحالي كان الجنرال عون، رجل طهران في هذه المرحلة من الأزمة اللبنانية، يفرض تركيبة وسياسات الحكومة المستقبلية.

وهو يقول للجميع من ستقبل إيران ومن لا تقبل كرئيس للوزراء ومن تتمنى طهران ودمشق أن يقصى من المناصب الوزارية المقبلة.

يريد الجناح القريب من إيران ثلث المقاعد زائدا مقعدا واحدا في المناصب الوزارية المقبلة، وهذا يعني ضمان حق الفيتو على كل القضايا الرئيسية. كذلك يريد شل الأكثرية عن طريق التأكيد انه يجب اقصاء زعمائها الأساسيين، مثل سعد الحريري وفؤاد السنيورة ووليد جنبلاط من الحكومة المقبلة.

وأخيرا وليس آخرا، فإن الجناح القريب لإيران يريد من الحكومة المستقبلية أن توقف التعاون مع مجلس الأمن الدولي بشأن التحقيق الخاص باغتيال رئيس الوزراء المغدور رفيق الحريري عام 2005 وغلق ملفات سلسلة الاغتيالات التي جرت بعد ذلك، والتي وجه الاتهام فيها إلى سورية.

بصيغة أخرى، تريد الأقلية أن تحكم من دون تفويض شعبي. وكل ذلك يعني أن الأقلية تريد فرض اجندتها على الأغلبية من دون انتخابات. وهي تقول للبنانيين إنهم لا يستطيعون أن يعيشوا في ديمقراطية وإن قدرهم يجب أن يقرر بواسطة قوى أجنبية متنافسة. كل ذلك جرى تحت تهديد الحرب الأهلية. فحزب الله يحرك خيوط عون بينما خيوطه تحركها طهران ودمشق.

يستطيع لبنان أن يتحاشى الحرب الأهلية إن كانت الاكثرية تمتلك الشجاعة في ما يخص قناعتها. فتكتل 18 آذار لا يمتلك أيَّ تفويض من الناخبين لدخول اتفاقات تقوِّض استقلال البلد وسيادته. فالتفويض الذي في يد الأكثرية هو أن تعمل بموجب الدستور وأن تنتخب رئيسا جديدا بأغلبية بسيطة إذا كان ذلك ضرورياً. وكل تلك القوى التي تتمنى رؤية لبنان مستقرا عليها أن تدعم هذا الخيار عن طريق تأكيد أنها ستدافع عن خيار الشعب اللبناني. وإذا كان الجناح المدعوم من قبل طهران ودمشق يريد عند ذلك أن يثير حربا أهلية، فإنه سيتحمل مسؤوليتها بشكل مفتوح.

الطريق الأفضل للخروج من الأزمة الحالية في لبنان، والأقصر والأكثر وضوحا، يتمثل في اتباع الطريق الدستوري.

[بدر56]

مشكووووووووووووووووووووووووور

[الدكتور عبد الكريم]

مشكورررررررررررررر